1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حسن الخفاجي:تبغددوا و تبنغلوا

٢٧ سبتمبر ٢٠١٠
https://p.dw.com/p/PNq1

نحن محسودون على الرغم من كثرة المصائب التي تقع على رؤوسنا .لا يزال العراقي يتبغدد كما يقول المصريون وتعني في اللهجة العراقية (يتخورد أو يتبرمك أو أيده مو إله) كلما أتيحت له فرصة التبغدد !.

العراقي هكذا والمصائب تحيطه من كل جانب . مواكب سيارات الأعراس تمر على شوارع يتصاعد منها دخان التفجيرات , هؤلاء يفرحون بإعراسهم وأولك يبكون موتاهم!. لم تستطع كل الحروب وموجات الموت المبرمج بالجملة من إيقاف نبض الحياة المتدفق عند الشعب العراقي , لو مر على شعوب مجاورة ما مر على العراقيين من بلاء ومصائب لظلوا للان يندبون موتاهم ويلعنون حظهم .

فرق موسيقى الأفراح في العراق تعمل بنفس الزخم الموجود في مهن المقابر: التغسيل والتكفين والدفن . المسارح وأماكن الترفيه واللهو مزدحمة كازدحام دور العبادة!.

هكذا نحن !.

من على أسوار الوطن في اسطنبول شاهدت أفواج السياح والمجاميع السياحية العراقية تملأ المتاحف والأماكن السياحية , ففرحت , وقلت عاد الخير لوجوه أهلنا (فتبغددوا) .

زرت بغداد بعد غياب طويل , ذهلت لما شاهدته من غلاء في الأسعار , ومن ازدحام الأسواق بالبضاعة وتنوعها , على سبيل المثال لا الحصر في بغداد يوجد أكثر من 200نوع عصير ومشروبات غازية , تهدر شهريا عشرات الملايين من الدولارات لاستيرادها من دول الجوار , حيث كنت شاهدا على تحويل مبلغ مليون دولار أسبوعيا لنوع واحد من العصير تنتجه السعودية , وحزنت لان نقودنا تذهب هدرا , ومن الأجدى للدول ان تؤمن غذاء شعوبها .عندما تذهب نقودنا على العصائر المستوردة التي يمكن إنتاجها محليا , سوف لا نوفر النقود لبناء المعامل والمستشفيات والجامعات ومراكز الأبحاث , وسوف لن نجد حلولا لكثرة أعداد العاطلين عن العمل , سواء كان من يصرف الأموال حكومة أو قطاع خاص لم تقنن الحكومة استيراداته .

شاهدت العصائر وترحمت على زمن التوتو والببسي العائلي , عندما كان اغلب المسافرين العراقيين في فترة الحصار يجلبون بسكويت أردني محشو بالكاكو يسمى توتو وعلب ببسي عائلي كهدايا غريبة وعجيبة لأهاليهم !.

تبغدد العراقيون واضح الآن, حيث يملأ الخدم البنغال بعض بيوت المترفين , لكن العجب والدهشة ملكتني حينما علمت بوجود هؤلاء الخدم في بيوت بعض المسؤولين في المنطقة الخضراء . كيف لمسؤول دولة ان يتجاوز على القانون ويدخل خدما غير مرخصين إلى بيته ؟.

ومن المفارقة ان ينتقد هؤلاء الحكومة لأنها لا توفر فرص عمل للشعب , تبغددوا وتبنغلوا (يا مسعولين) بالعافية!

إذا حل التبغدد حل الغلاء كتحصيل حاصل , من لا يصدق غلاء بغداد فليذهب إلى مطعم في الكرادة يبيع الدجاجة المشوية السفري المحشي برز كاري بمبلغ 19 الف دينار أي ما يعادل 17 دولار , ويبيع الدجاجة المشوية دون حشو بمبلغ 17 ألف دينار وتعادل 15 دولار , بهذا السعر يكون مطعم الدجاج في الكرادة دخل سجل غينس للأرقام القياسية دون ان يعلم , حيث لم يرتقي سعر الدجاج السفري في أغلى بلدان العالم عتبة الـ7 دولارات , وفي بعض الأماكن السياحية الغالية ترتفع الأسعار ما بين 9 الى 10دولارات كأعلى حد لسعر دجاجة مشوية سفري !.

تبغدد أهل بغداد واضح على محيا اغلب الموظفات والموظفين , وعلى وجوه النخبة!. تبغددهم واضح في حملات البناء والأعمار وديكورات البيوت وأثاثها , وفي نوعية السيارات الحديثة التي يركبونها , وفي نوعية الألبسة والأحذية التي يلبسونها .

فاق العراقيون أغنياء العالم بامتلاك اغلب الميسورين وحتى بعض الفقراء لثلاث خطوط هاتف محمول !. تبغددنا واضح في حملات السفر الجماعي والفردي للنزهة وسفر المرضى إلى الهند والى دول الجوار التي اختص أطباؤها بسرقة العراقيين!.

السفر للعلاج في الهند يتم اغلبه عن طريق مكاتب ترتبط مع المستشفيات في الهند بعمولات مالية كبيرة , يكذب اغلب مالكي المكاتب على المرضى في بغداد ويذهب المريض على أمل بالشفاء المضمون في الهند , وحينما يصل الهند يعود اغلب المرضى معلبون بالتوابيت , أو (سكط) , أو لم يستفيدوا من سفرة الهند العلاجية .

خلال شهرين من وجودي في بغداد سمعت بعشرات القصص لمرضى ماتوا في الهند , أو ماتوا في العراق بعد إجرائهم لعمليات جراحية فاشلة , إذا فتحت الحكومة تحقيقا شفافا في هذه الحالات فسوف تصل إلى نتائج كارثية .

بعد هذه المشاهد المريحة على ما فيها من الم , لم أكن أتوقع أن أشاهد مدننا كاملة غارقة في مياه المجاري الأسنة , يلفها الفقر والظلام , وجوه ساكنيها كالحة تبحث في وجوه القادمين عن عطاء . عشت ظروف العوائل المهجرة, التي تفتقد لأبسط مقومات العيش في سكنها وطعامها ,(لم أزر المنطقة الخضراء والحمد لله ,لا كتب عن أحوال ساكنيها) عندما شاهدت تجمعات المهجرين القسرية تذكرت صرائف الشاكرية والميزرة وتجمعات فقراء الهند في أكواخهم في بومبي, ومدن الصفيح في دول أفريقيا واسيا الفقيرة !.

بعد مشاهداتي السريعة في بغداد أيقنت ان إصرار العراقيين على العلاج في الهند لم يأتِ من فراغ , لان شعبنا العراقي صار يشبه إلى حد ما الشعب الهندي , فهناك تجد المهراجات (أغنياء الهنود) الذين لا يتعدى تعدادهم عشرات الآلاف , ومئات الملايين من الفقراء الذين يتضورون جوعا!.

عيدي أمين رئيس أوغندا السابق رد على صحفي غربي أشار إلى وجود مجاعة في أوغندا فرد ه بعصبية قائلا: (لا توجد مجاعة في أوغندا إذا شعر الاوغندي بالجوع بوسعه قف ثمار الموز من الغابة) ! بالعافية خل يأكلون موز .

تبغددوا وتبنغلوا يا قلة وجوعوا يا كثرة