1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: كيف تعيدنا احتفالات العيد في المهجر إلى بلادنا؟

رشا حلوة
٦ يونيو ٢٠١٩

في مقالها* لـ DW عربية تنقل الكاتبة الصحفية رشا حلوة أجواء وطقوس عيد الفطر كما يعيشها مهاجرون عرب في برلين. وتبرز أجوه الإختلاف والتشابه مع أجواء العيد في البلد الأم.

https://p.dw.com/p/3Jwh8
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

في اليوم الأوّل من عيد الفطر، كتبت صديقتي سمر عبر حسابها في فيسبوك، ما يلي: "العيد أداة فرح. لا يهمّ ماذا ولماذا وكيف ومن وأين"، وبصرف النظر عما إذا كان العيد مرتبطا بالإيمان والدين، أم لا- كون الأعياد هي مناسبات دينية بأساسها - إلا أن العلاقة معها هي أوسع من ذلك، تتجسّد بالطقوس الاجتماعية والالتفاف حول العائلة، الأحبة، الأصدقاء والصديقات، حيث نادرًا ما أن تُعاش هذه الأجواء بعيدًا عن طقوس الأعياد.

يصادف هذه الأيام عيد الفطر السعيد، وفي مدينة برلين، أو المهجر عمومًا، ذلك الاختياري أو القسري، تصبح النظرة إلى هذه المناسبات مختلفة قليلًا، طبعًا بشكل نسبي ومختلف بين شخص وآخر. والأعياد، مثل طقوس اجتماعية عديدة، في بيئة مختلفة ثقافيًا واجتماعيًا، هو بمثابة استعادة لشعور البيت، والحنين إلى البلاد التي وُلدنا وعشنا فيها، أو بالعموم إلى الثقافة التي تُجسّد هذه المناسبات، فالاحتفال بها هو امتداد لما يخلقه الناس للحاجة إلى الشعور بالبيت، في اللغة والأطعمة والروائح والناس والأغاني وما إلى ذلك.. وعادة، يكون ذلك باستعادة طقوس عاشوها في بلادهم أو بخلق طقوس بديلة تشعرهم بالبيت البعيد، ولو لأيام قليلة.

في برلين، يعيش أحد شوارع المدينة المهمّة، وهو زونين آلي، وما يُسمى شعبيًا بشارع العرب، أجواء العيد تمامًا، كما أجواء شهر رمضان الماضي. فالشارع مليء بالناس، وخاصّة الأطفال بثيابهم الجديدة، كما تقدم  المطاعم المأكولات العربية، الشامية أو اليمنية وغيرها، وتصبح مركزًا لالتقاء العائلات، بأعدادها الصغيرة والكبيرة، والأغاني التي تصدح من المحلات التجارية، وغيرها من التفاصيل.. كما أن عيد هذا العام جاء مع وصول الصيف الحار إلى المدينة، فالحدائق العامّة، وأكثر البحيرات هي الفضاء الأنسب للقاءات الجماعية.

إحدى صديقاتي، تواظب سنويًا، ومنذ أن وصلتْ إلى برلين، على دعوة الأصدقاء والصديقات إلى عشاء في اليوم الأول من العيد، على أن تقوم هي بطبخ ما يذكرها ببلدها الأم، سوريا. على مستوى شخصي، وعلى الرغم من أن الأكل الفلسطيني يُشبه اللبناني والسوري (مع اختلافه حتّى في المناطق الداخلية)، إلا أنه منذ انتقالي إلى برلين، اكتشفت مأكولات سورية لم أعرفها في المطبخ الفلسطيني، وبما أن "السجال" التاريخي حول المطبخ مستمر، في مقارنة ما بين السوري والفلسطيني واللبناني، أي سجال شامي، أستطيع أن أقول، وبكل ثقة، وخاصّة بعد دعوات الطعام التي حصلت عليها، فالسوري يتفوّق (وهذا إعلان علني)، وأحرى عندما تكون المائدة هي مائدة عيد؟. تقول صديقتي عن المأكولات التي تجهزها لمائدة العيد: "أحاول أن أطبخ ما اعتدت أن آكله من مطبخ أمي في الشام يوم العيد، ولأنني لا يمكنني زيارة أمي، وهي لا يمكنها أن تأتي هنا، ولا أن يتعرّف عليها أصدقائي، أريد من هذه المائدة أن تحملهم إلى رائحة أمي وطعامها.. كي يتعرّفوا عليها".

في الأيام الأخيرة من رمضان، قرر صديقي، وهو من الإسكندرية ويطهو دوما طعامًا لذيذا، أن يطبخ ويدعو مجموعة من الأصدقاء للقاء والأكل في بيت صديقة. لبى الدعوة أصدقاء وصديقات كثيرون، قسم منهم عرفته من زياراتي للقاهرة والإسكندرية ورام الله، والآخر تعرّفت إليه في برلين.. الطعام كان ذكيًا جدًا؛ الملوخية والمسقعة والمحشي وورق العنب، والبعض أحضر مأكولات أيضًا، ولم يخلو العشاء من الكنافة النابلسية (وهي من صُنع أيادٍ نابلسية فعلًا)، لكن الأهم، على الأقل بالنسبة لي، كيف خلق الأكل وآخر أيام رمضان ولقاء الأصدقاء، بيتًا أحنّ له، فيه من بيوت القاهرة ورام الله وحتّى دمشق التي لم أعرفها، فالبيوت حاضرة في لهجات الأصدقاء، والأغاني التي تأتي من الذاكرة المشتركة، حتى أغاني الإعلانات القديمة في التلفاز! كلّها فضاءات موازية نعيش فيها بلادنا في مدينة نحبّها أيضًا، مثل برلين، والتي تتيح هذا المتسع من البيوت المتنوعة.

من الأصدقاء الذين تابعت طقوس احتفالهم بالعيد، هو علاء من مصر (30 عامًا)، يعيش في برلين منذ عاميْن بسبب العمل. في حديثه عن العيد قال: "ما نفعله هو استعادة الطقوس التي عشناها في مصر، والمتوفّرة هنا. نحاول أن نقيم مجتمعًا موازيًا مثل مصر بنفس طقوسه، نجتمع مع الأصدقاء في البيوت، ونشتري معدات تحضير كعك العيد، حتّى - لو طلع وِحش- ، لكن الطقس هو المهمّ، مرفق مع أغاني العيد، وهذا لا ينفي أن نطلب ممن يأتي من مصر بنفس الفترة أن يُحضر معه كعك العيد، كي نشعر بطعم مصر، نأكل الكعك أثناء شربنا الشاي بالحليب، الطقس الأهم أيضًا".

يروي علاء بأن الجزء الثاني من احتفالات العيد، هي الصلاة، ويضيف: "من المهم أن نختار مسجدًا عربيًا، ولو كان مصريًا، فهذا أفضل، كي تشبه الصلاة في مصر إلى حد ما، نختار المسجد الذي نريد أن نصلي فيه من خلال تصويت نجريه عبر مجموعات وواتساب، ويقع الاختيار على المسجد الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات، نجتمع هناك كي لا يشعر أحد منا أنه يصلي وحده".

هذا العام، جاء عيد الفطر خلال أيام الأسبوع، والمعيِّدون يطلبون عادة اليوم الأوّل إجازة، لكن هذا لا ينفي أن تُقام طقوس العيد وفعالياته نهاية الأسبوع، عن هذا يقول علاء: "لو أتى العيد نهاية الأسبوع، هذا خير وبركة، لكن لو لم يحصل ذلك، فننتظر نهاية الأسبوع للاحتفال، ونقيم كل الطقوس التي نعرفها من بلادنا خلال يوم السبت والأحد، حتى لو كان قد أنتهى العيد. الكعك، الشاي بالحليب، اجتماع أصدقاء، لربما هي تفاصيل صغيرة، لكنها كبيرة بالنسبة لنا".

وبالعودة إلى صديقتي سمر، وحديثها أن العيد هو أداة للفرح، لا يهم متى وماذا ولماذا، إلخ.. وعلى الرغم من أنه يهم "أين يحصل"، وأين تُعاش طقوسه، بالنسبة لكثيرين، كونه يحمل الحاجة للقاء العائلات والأحبة، خاصّة في ظروف صعبة يعيشها الكثير منا بعيدًا عن أهله وأحبابه قسرًا، لكن تأتي هذه المناسبات في المهجر، أي الأعياد تحديدًا، لربما تذكرنا بأهم مكونات الحياة؛ اللقاءات مع الناس وطقوس خلق أجواء مشتركة، متجسّدة في الأطعمة وروائحها كما والأغاني، كي تعيدنا قليلًا إلى البيت، ذلك الذي هرب قسم منا منه، أو لجأ عنه قسرًا أو اختيارًا، لكننا ما زلنا نحبّ تفاصيلًا منه، والتالي تعيدنا إلى صورته الجميلة.. كل عام وأنتم/ن بألف خير، وفي البيوت التي تحبّونها.

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد