1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رنا الصباغ: عندما تسود الأخبار الملفقة وتتراجع القیم

٣٠ نوفمبر ٢٠١٧

ترى الصحافية المخضرمة رنا الصبّاغ في مقالها* على DW عربية أن مواجهة الأخبار الزائفة وسيف الرقابة على حرية الإعلام تتطلب جهداً جماعياً من أجل دعم الصحافة الاستقصائية في العالم العربي.

https://p.dw.com/p/2oZPI
Symbolbild Fake News im Netz
صورة من: picture alliance/dpa/F. Gabbert

من الصعب تصديق قدرة الدو ل العربية على تسجيل تفوق استثنائي على الغرب في ابتكار صرعات إبداعیة. لكن حين يتصل الأمر بالأخبار الملفقة، فنحن في المقدمة. ولا يتعلق الأمر بالأخبار الملفقة فحسب، بل یتعدّاها إلى صناعة سياسات ملفقة، دساتير مزورة، قوانين تستبطن الاستبداد، تقاليد مشوهة، تفسيرات دينية تحض على العنف واضطهاد المرأة. وكذلك وضع موازنات وهمية ووظائف شكلية.

في هذه المنطقة التي تمور باللامعقول، نستطيع تبيان "الفبركة" حين نراها. فهي تتداخل مع حمضنا النووي (دي إن إي) وأساسات مجتمعاتنا. على أن القليل منّا – مواطنون ومعشر الصحفيين- مستعدّون لمواجهة هذه الآفة. فالكلفة عالیة جدّا والمحاول ة تستنزف وقتا وجهدا.

عندما نعلن أن مواقع "التناطح" الاجتماعي تعمل ضد مجتمعاتنا، فنحن لا نجانب الحقیقة. قنوات اتصالنا وشبكات الاتصالات تتعرض للقرصنة والتنصت على ید السلطات السیاسیة، التي توظّفها ضد المواطنین. وهكذا تغدو الحقیقة صوتا خافتا غیر ملهم في عالم سریع التغیر، حیث یعلو صوت التطرف والإلغاء. یوما بعد یوم، تتزاید صعوبة اعتماد "فلاتر" لضمان النزاهة والإنصاف في ملایین لمع الأخبار وقصاصاتها.

قبل عدّة سنوات، اثبت مسح أجرته جامعة أكسفورد البریطانیة أن معظم ما یتم تداوله في الفضاء الالكتروني یحمل عادة مضامین تافهة لیست ذات صلة. ومع ذلك، یتهافت الناس على هذه المضامین التافهة، خصوصا إذا توافقت مع منظورهم الضیق حیال العالم كما یرونه أو یرغبون في رؤیته.

في قضیة القرصنة الروسیة لحواسیب أمریكا مثلا، نجد أنفسنا جمیعا في ورطة حقیقیة في حقبة السیاسات ما بعد الحقیقة عندما یصدّق الرئیس الأمریكي كلمة ضابط استخبارات روسي متقاعد على حساب وكالات استخبارات بلاده ملیاریة التمویل.

GMF | Rana Sabbagh
الصحافية المخضرمة رنا الصبّاغ

الیوم، بتنا جمیعا – عربا وأجانب-  ضحایا الإعلام الرديء والأخبار الملفقة. على أن الفارق بین العالمین یكمن في أن الغرب یشهد مقاومة أشد للتلفیق مع أن أصداءها لا تصل إلینا إلا نادرا.

الجدالات الدائرة حول الأخبار الملفقة قوّضت الثقة بالإعلام في الولایات المتحدة وثلاث دول أخرى، حسبما كشف مسح أجرته شركة بیانات كنتار على عینة من 8000 شخص في أمریكا، البرازیل، بریطانیا وفرنسا. والأسوأ أن انعكاسات مواقع التواصل الاجتماعي وخبراء الفضاء الرقمي تكون أكثر وقعا على المجتمعات من الإعلام التقلیدي المطبوع والبصري.

هل یعني ذلك أن یستسلم الصحفیون المحترفون لهذه الحال؟

قطعا لا. لكن علینا أیضا عدم التقلیل من تأثیر العقبات التي یضعها الاستبداد الرسمي أمام الصحفیین؛ خصوصا حفنة من الجسورین وصحافیي الاستقصاء الملتزمین بمبادىء الإعلام وقواعده. فمجابهة الأخبار الملفقة وسیل الخدع وتشویه الحقائق، التي تنفثه "كتائب الكترونیة" رسمیة، أمنیة أو تابعة لمراكز قوى ومال هي مهمّة شدیدة التعقید والصعوبة.

هذه القضایا ستكون موضع نقاش وتفاكر بین 450 إعلامیا عربیا وخبیرا أجنبیا حین یلتقون على شاطىء البحر المیت هذا الأسبوع في إطار ملتقى أریج العاشر تحت عنوان: "صحافة الاستقصا ء في مواجهة الأخبار الملفقة".

تنظّم هذا الملتقى السنوي الفرید على مستوى العالم العربي شبكة إعلامیون من أجل صحافة استقصائیة عربیة (أریج)، وهي عضو فعّال في شبكة الاستقصاء الدولیة، تعنى بترسیخ ثقاقة هذا الضرب من الإعلام و"صحافة المساءلة " في غرف الأخبار العربیة وفي صفوف الصحفیین المستقلین من خلال التدریب النوعي وتمویل التحقیقات.

وسیتحدث الأریجیون – وفق التوصیف الذي یحلو لهم – عن روتین العمل تحت إشراف رؤساء تحریر بات بعضهم أبواقا بید أسیادهم في إطار مقایضة الاستمراریة مقابل طمس الحقائق على حساب تغطیة الوقائع بأمانة وإنصاف من أجل المنفعة العامة.

حتى القضایا البعیدة عن تعقیدات السیاسة؛ مثل الصحة، التربیة والتعلیم وشؤون المستهلك أضحت مثیرة للمشاكل تحت وطأة عصا السلطة وغوغائیة شارع مستقطب. خذ مثلا إحجام رئیس تحریر سوداني عن نشر أسماء المتسببین الرئیسیین في تلوث بیئة ناجم عن بناء عشرات مزارع الدجاج بین الأحیاء السكنیة. والسبب أن أحد أصحاب المزارع یملك الصحیفة المعنیة.

كذلك رفضت صحیفة عربیة لندنیة یملكها مسؤولون سعودیون بارزون نشر تحقیق حول تعمق الكارثة الإنسانیة في الیمن بفعل الحرب، حتى لا ینظر إلیها أنها تسعى لإحراج التحالف الدولي بقیادة السعودیة ضد الحوثیین هناك.

ویتعایش محررو أریج في مقرّها بعمّان مع قصص محزنة من صحفیین خائفین یترددون في إجراء مقابلة "المواجهة" النهائیة مع المتسببین في الإساءات، وهي شرط أساسي لاستكمال التحقیقات الموكلة إلیهم لتحقیق مبدأ الإنصاف قبل النشر/ البث. یقلق صحفیون حیال احتمالات تعرضهم لإیذاءات جسدیة أو ضغوط سیاسیة. لذلك یتدخل محررو أریج في عمّان لإجراء مقابلات "المساءلة" خطیا من المركز، بالإنابة حتى عن صحفیین – حتى في تونس، التي ینظر إلیها بأنها مهد الثورات وملهمتها عام 2011.

في الیمن، لم تعد هناك حریة إعلام وسط استقطاب عسكري مرعب. ویعلم الأریجیون أنهم أمام خیارین: إما أن تعمل مع الوسائط التابعة للحكومة أو تلك تحت سیطرة الحوثیین والرئیس السابق علي عبد الله صالح؟

الحال لیست أفضل كثیرا في مصر. إذ تحول هذا البلد إلى أكبر سجن للصحفیین خلال السنوات الأربع الماضیة. یشارك صحفیین في توقیع "استمارات دعم" لحث الرئیس عبد الفتاح السیسي على الترشح لولایة ثانیة.

في الأردن، تتشابه تقریبا "مانشیتات" الصحف والصور المصاحبة لها، بفضل الرقابة المتواریة تحت "قفّازات بیضاء". وصدر مرسوم رسمي بتعیین رئیس مجلس إدارة فضائیة خدمة عامة قید التأسیس الآن، والأولى من نوعها، تعلن بأنها ستبث أخبار أكثر انفتاحا وإتزانا.

في البحرین، السعودیة، العراق وبلدان أخرى توظف القوانین المعتمدة أصلا لمواجهة الجرائم الرقمیة لتكمیم أفواه الصحفیین.

ومع أن حال الإعلام في كل دولة كان بائسا في معظم الأحیان، أحالت أزمة قطر- السعودیة الإعلام العربي الإقلیمي إلى ساحات معارك. فلن یدعّي أحد بعد الآن أن قنوات عابرة للحدود مثل "الجزیرة"، سكاي نیوز، و"العربیة" لا تمثّل أي شيء أكثر من وجهات نظر أحادیة أ و "بروباغاندا" رسمیة.

على خلفیة هذه الصورة القاتمة، سینضم إلى الصحفیین العرب على شاطىء البحر المیت عشرات الخبراء الأجانب في حقل الاستقصاء والإعلام الرقمي على أمل تبادل الأفكار والأدوات من أجل التصدي لسیف الرقابة وتشویه الحقائق.

سیشهد ملتقى أریج العاشر 45 ورشة تدریب وتشبیك حول مواضیع شتّى؛ في مقدمتها حمایة الملفات الرقمیة وتشفیرها، السرد الرقمي، تحصین المصادر المستضعفة وحمایة الصحفیین من العنف الجسدي.

نتوقع الكثیر من الصحفیین العرب. وهم یحتاجون دعمكم ویستحقونه.

رنا الصبّاغ، صحافية مخضرمة، مدیرة أریج التنفیذیة منذ انطلاقها عام 2005 . ممولو شبكة أریج الرئیسیون هم: الوكالة السویدیة للتعاون الإنمائي الدولي (سیدا) منظمة لدعم الإعلام الدولیة (آي إم إس)، مشروع الشراكة الدنماركیة العربیة، ومؤسسة المجتمع المفتوح إلى جانب سفارتي النروج وهولندا في عمّان.

رنا الصبّاغ

 المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.