1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

شباب ألمان وتونسيون يتحاورون حول الديمقراطية

١ نوفمبر ٢٠١١

ما هو شكل الديمقراطية المناسب لتونس؟ وما الذي يمكن أن يتعلمه الشباب الألمان من الثورة التونسية؟ هذه هي أهم محاور الحوار الديمقراطي الذي جمع بين طلبة ألمان وتونسيين على مدى أسبوعين في مدينة دوز التونسية.

https://p.dw.com/p/131Zo
الشباب يتعارفون ويتحاورونصورة من: Andreas Joppich

تعيش تونس فترة انتقالية مميزة بعد أن تمكن الثوار من إجبار بن علي على التنحي، لينتقلوا ببلادهم إلى مرحلة جديدة، آملين في أن تقودهم إلى الديمقراطية والعدالة. تلك الأوضاع الفريدة من نوعها تعد "فرصة لا تتكرر بالنسبة للناشطين في مجال التربية السياسية"، وهو ما دفع أندرياس يوبش، الذي يعمل في مجال التربية الإنسانية والتدريب المهني، إلى القيام بالتنسيق لمشروع "الحوار الديمقراطي" مع الدكتور حافظ بن منصور، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هانوفر الألمانية.

وجاءت فكرة المشروع من بن منصور، الذي يعمل منذ عشرات السنوات في ألمانيا وكان كثيراً ما يلاحظ "وجود أحكام مسبقة عن تونس وعن البلاد العربية"، فوجد في الثورة التونسية فرصة "لخلق حوار بين الجانبين". وحيث أنه عمل من قبل مع يوبش في مجال الحوار الديمقراطي وإدماج الجالية الأجنبية في أوروبا، فقد دعا إلى محاولة توفير هذه الفرصة للشباب من الجانبين إيماناً منه أن الحوار هو الوسيلة المثلى "لتقريب الأفكار".

هذا الإيمان بأهمية الحوار المتكافئ هو ما جعل مدير المشروع الألماني يوبش يبحث عما يجعل الحوار مفيداً للجانبين موضحاً: "كان من المهم بالنسبة لنا كمشاركين ألمان ألا نتعامل بأسلوب فوقي وكأننا الخبراء القادمين لتعليم الناس الديمقراطية، بل أن يكون لدينا الاستعداد أيضاً للتعلم منهم. وأنا أعتقد أننا في أوروبا بحاجة لتعلم الكثير من الثورة التونسية وأن نستقي الأفكار الجديدة التي يمكن أن تعطي دفعة لنظامنا السياسي".

البحث عن نموذج ديمقراطي مناسب

Demokratiedialog in Douz in Tunesien September 2011
رحلة مولها الشباب بأنفسهم ليتعارفوا فيما بينهمصورة من: Andreas Joppich

تقابل الزميلان والصديقان في مدينة هانوفر الألمانية ليفكرا معاً فيما تحتاجه تونس في هذه المرحلة، ووضعا الأهداف الأساسية للمشروع، بحيث يثير اهتمام المشاركين الألمان أيضاً. وكان نتاج هذا اللقاء مشروع "الحوار الديمقراطي" الذي نظمته مؤسسة unterwegs eV وجمع بين عدد من طلبة العلوم السياسية في ألمانيا وعدد من الطلبة والأكاديميين التونسيين في مدينة دوز التونسية. وخلال اللقاء ناقش المشاركون الديمقراطية الأوروبية متسائلين عن شكل النموذج الديمقراطي الذي يمكن أن يناسب دول شمال إفريقيا.

وكانت هذه التجربة فريدة من نوعها في رأي المشاركة التونسية فاتن، التي تقول: "كان جديداً علينا تماماً أن نقوم بحوار حول الديمقراطية". وتضيف أنهم لم يجدوا النموذج المثالي، لكنهم وضعوا تخيلات عما يمكن أن يناسب الثقافة التونسية الإسلامية، وتوصلوا إلى أن الديمقراطية يجب أن تتطور حسب خصوصية كل دولة. استفادت فاتن كثيراً وتعرفت على التجربة الألمانية في الديمقراطية بعد الحربين العالميتين، وتجربة هتلر والحقبة النازية، كما تعرفت على أنواع مختلفة للديمقراطية.

تعلم قيمة الديمقراطية

وبالنسبة للمشاركة الألمانية ماراي، "كان من المؤثر مشاهدة التجربة التونسية، وما استطاع الشباب هناك تحقيقه". واستفادت طالبة العلوم السياسية الألمانية حتى من الحديث عن الديمقراطية وأساسياتها، وتضيف بالقول: "حتى بالنسبة لنا كطلبة علوم سياسية، فنحن سريعاً ما ننسى ما يمكن أن نفهمه تحت هذه الكلمة".

وفي هذا السياق يرى يوبش أن المشاركين الألمان استطاعوا بالفعل تعلم الكثير من هذا الحوار الديمقراطي، وعلى رأس ما تعلموه هو "تقدير قيمة الديمقراطية"، ويوضح قائلاً: "لقد كبرنا في مجتمع ديمقراطي، ولذلك فنحن نعتبرها أمراً مسلماً به. لكن الحركات الثورية في العالم العربي جعلتنا نشعر مجدداً بقيمة الديمقراطية".

ويرى يوبش أن هذه الحركات الشبابية ساعدت الأوروبيين أيضاً للشعور بالدور الهام الذي يلعبه الشباب في السياسة وكذلك في الديمقراطية، والتفكير في كيفية تجديد الديمقراطية في أوروبا وإعادة تقييمها ليتساءل الشباب الأوروبي هل هذه الديمقراطية التي يعيشوها في بلدناهم "هي بالفعل ما يريدونه؟"

مشروع أساسه العمل التطوعي

Demokratiedialog in Douz in Tunesien September 2011
أجواء مرحة تسود المناقشاتصورة من: Andreas Joppich

المشروع الذي أقيم في مدينة دوز قام الشباب بتمويله بأموالهم الخاصة، فدفع المشاركون الألمان اشتراكات خاصة بالإضافة إلى مساعدة قدمتها وزارة الشباب الألمانية لتغطية تذاكر الطيران. كما قام كل من أندرياس يوبش وحافظ بن منصور بعملهما بشكل تطوعي. ورغم محاولاتهم لجلب بعض المساعدات والدعم والتمويل الأوروبي في المستقبل لدعم بقية المشروعات، إلا أن يوبش يعتقد أن الأمر سيعتمد بشكل كبير على التطوع من جانب الأفراد.

ماراي لم تكن تعرف كثيراً عن وجوب دفع الاشتراكات قبل مشاركتها في المشروع، لكن الرغبة في العمل المشترك هي التي دفعتها رغم ذلك للمشاركة. وبعد أن بدأ العمل المشترك، زادت الرغبة في التعاون وترى ماراي لذلك أن الاستفادة كانت تستحق الجهد والمال الذي صرف. وتأمل أن يتمكنوا من تحقيق الجانب الآخر للحوار، بقدوم المشاركين التونسيين إلى ألمانيا لأن رؤية واقع حياة الأشخاص أساسي "ليمكن أن يصبح هناك حواراً حقيقياً بين الجانبين وليمكن أن نصل في النهاية إلى شيء ما".

"نريد أن نكمل الحوار حول الأمور الثقافية والشخصية وأيضاً الأحداث السياسية والعمل المشترك"، تقول ماراي، التي تجد أن الاستفادة لم تكن فقط على الجانب العملي، ولكن أيضاً على المستوى الثقافي، حيث فتحت مناقشات واسعة ومقارنات بين الثقافات المختلفة والتي أفادت ماراي على المستوى الشخصي وساعدتها في تغيير أفكارها المسبقة عن العالم العربي. كما غيرت نظرتها ليس فقط للمجتمع العربي ولكن أيضاً لمجتمعها الألماني والأوروبي: "التونسيات انتقدن أشياء معينة في مجتمعنا بمنتهى الانفتاح وأوضحن لنا كيفي يعشن هن هذه النواحي من الحياة، ما جعلني أنظر لمجتمعي بطريقة مختلفة".

رؤية جديدة لتونس والمجتمع الإسلامي

كان للنقاش حول الدين الإسلامي وعلاقته بالديمقراطية موقعاً كبيراً في المناقشات، واكتشفت ماراي أن الأفكار المنتشرة في الغرب عن كون الإسلام والديمقراطية لا يجتمعان غير صحيحة، خاصة وأنها وجدت أن المجتمع التونسي منفتح ووجدت فيه أسساً رائعة للديمقراطية. وهو ما يتفق معه يوبش موضحاً أنهم اكتشفوا أن الإسلام فيه الكثير من التصورات القيمة للحياة الاجتماعية، "وأن إدخال هذه القيم في الثقافة الديمقراطية سيكون إيجابياً للغاية".

وفي هذا السياق تعلق فاتن قائلة إن "إعلام الأنظمة الديكتاتورية والإعلام الغربي كانا يقدمان نظرة مغلوطة للواقع"، وبالتالي فهي ترى أن المعايشة والمعاينة على أرض الواقع هي الأساس لتغيير تلك الصور وفتح حوار حقيقي. ويوافقها الرأي يوبش الذي يؤكد أنهم تعرفوا على عدد من التنظيمات الشبابية التي تعمل على أسس ديمقراطية، والتي تعد بالتالي عناصر جيدة لتحقيق الديمقراطية على أرض الواقع.

من ناحية أخرى ترى فاتن أن الألمان استطاعوا أن يتعرفوا خلال رحلتهم عن قرب على ممارسات النظام الديكتاتوري وفظاعاته وجرائمه، لأنها لم تكن تنقل بشكل كافي من خلال وسائل الإعلام. ولم تخلو جلسات الحوار من تبادل النقد واختلاف الآراء لكن مع احترام الآخر، وهو في رأي يوبش أكبر تدريب على الحوار الديمقراطي "فالاستماع لرأي الآخر ومحاولة فهم خلفيات هذا الرأي والتوصل معاً لشيء إيجابي وبناء هو أساس الديمقراطية". وهو يرى أن التعامل مع الرأي الآخر باحترام كان من المميزات لحوارهم.

سبل مبتكرة لتعلم الديمقراطية

Demokratiedialog in Douz in Tunesien September 2011
مناقشات قوية واحترام متبادلصورة من: Andreas Joppich

وما ميز ملتقاهم أيضاً كان تفكيرهم حول كيفية إيصال مفهوم الديمقراطية للشعب، فالتربية السياسية الديمقراطية في ألمانيا تعتبر أمراً هاماً جداً وهي "الضمان لعدم الوقوع في براثن الديكتاتورية مرة أخرى"، على حد قول يوبش، الذي يضيف أنه كلما اهتمت نسبة أكبر من الشعب بالسياسة، كلما حققت ضمانة للديمقراطية، لأن المجتمع المدني هو الآلية الأساسية لمنع عودة الدولة الاستبدادية.

واعتمد معدا المشروع على عدة طرق لإيصال التربية السياسية بشيء من المتعة ووسائل الترفيه، مثل المسرحيات والألعاب وورش العمل التي تقرب فكرة احترام الرأي الآخر واحترام الأقليات وشروط الديمقراطية المختلفة بالاعتماد على وسائل توضيحية متنوعة ومسلية في الوقت نفسه، الأمر الذي وجدته فاتن ممتعاً للغاية. هذه الطرق ساعدت كل المشاركين على التعبير عن آرائهم بصراحة وحرية وعلى انتقاد الرأي الآخر باحترام.

هذا الاحترام المتبادل والحوار الذي صبغ بصبغة التساوي من الناحيتين الأوروبية والعربية، نشأ عنه أيضاً تعلم كل منهما من الآخر، كما يؤكد بن منصور الذي يعيش منذ 25 عاماً بين الثقافتين الألمانية والعربية، ويوضح قائلا: "الحلول موجودة عندي على مستويين بدلاً من واحد وهذا ما شوقني لأحاول أن أوصل أسرار الثقافتين لبعضهما البعض". لاحظ أستاذ العلوم السياسية أن الشباب التونسي تعلم الكثير من الألمان خاصة في انضباطهم وحسمهم في العمل والوقت والالتزام ببرنامج الندوات، كما أن الطلبة الألمان بالمقابل جذبتهم العفوية وروح المرح والتعاون لدى الطلبة التونسيين. ولذلك فهو يتمنى أيضاً أن يكون هناك نموذج من الديمقراطية يجمع بين إيجابيات الحضارتين وبني التقليد والحداثة.

أسبوعان من التعارف والحوار قضاها الشباب معاً، وتعلموا فيها الكثير، لكن هذا ليس نهاية المطاف، فما كان هذا الحوار سوى بداية لمشاريع مستقبلية كما يؤكد بن منصور، وكل تلك الخطط المستقبلية ستصبح في متناول الشباب عبر الإنترنت. من ضمن المشاريع المخطط لها مثلاً مشروع إقامة معهد ألماني عربي لتعليم العلوم السياسية بالإضافة إلى تكوين مجموعة مغاربية أوروبية للحوار الديمقراطي، والقيام بإنشاء مكتبة عامة للعلوم السياسية في مدينة دوز بدعم ألماني، فضلاً عن مجموعة من المشاريع الصغيرة للتبادل الطلابي وتكوين إطارات في العلوم السياسية في تونس.

سمر كرم

مراجعة: عماد غانم

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد