1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

صفا العراقي - حياة جديدة في صربيا

٣١ ديسمبر ٢٠١٧

عبر نحو مليون شخص صربيا سعياً للوصول لإحدى دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا. لم يرغب أحدهم في البقاء في صربيا، لكن صفا العراقي الذي وصل بلغراد قبل 10 أعوام لديه قصة مختلفة. مهاجر نيوز التقى صفا واستمع إلى قصته.

https://p.dw.com/p/2q1QV
Reportage Flüchtlinge Banja Koviljaca
صورة من: DW/N. Rujevic

يقول صفا العبيدي أثناء دخوله الغرفة المخصصة له في مركز استقبال اللاجئين:"الغرفة تغرق في الفوضى". شد انتباهنا صور على الجدران يظهر فيها عمران أصغر سناً بكثير وبجانبه زوجته. صورة لحفل زفاف. لكن الصور على الجدران وبعض الزهور الجافة تكشف عن أن المقيم بالغرفة يستقر بها منذ أمد بعيد، فبرغم كل هذه الفوضى يمكنه أن يمد يده ليخرج ما يريد من متعلقاته. هذا المكان الصغير هو كل ما يملكه صفا من الحياة بعد أن ترك كل شيء خلفه في العراق.

مقر إقامة صفا المنفصل عن مركز الاستقبال الواقع في قرية بانيا كوفيلجاكا غربي بلغراد، أعطى له نتيجة جهود يقوم بها مع اللاجئين لتكون نوعاً من الاعتراف بالجميل لما يفعل الرجل الستيني.

حصل صفا على "حماية ثانوية مؤقتة" في صربيا عام 2008، ما يعني أنه لم يمنح بعد حق اللجوء الكامل، لكن أيضاً لا يمكن إعادته إلى دياره. وهكذا استمر وضع "صفا" مؤقتاً لما يقرب من عقد من الزمان.

يقول صفا:"بغداد دمرت بالكامل، وكان كل شخص في الشارع يحمل مدفع رشاش، وتنتشر المركبات العسكرية في كل مكان". صفا يتحدث عن فترة سقوط نظام صدام حسين والغزو الأمريكي. "كان الكل يقتل كما يحلو له كل يوم."

Reportage Flüchtlinge Banja Koviljaca
صفا وصل صربيا عام 2008 ويسكن في مركز لطالبي اللجوء بغرب البلادصورة من: DW/N. Rujevic

صفا يحمل درجتين أكاديميتين من جامعة عراقية. وبدا من حديثه أن أوضاعه هناك كانت أفضل بكثير مما هو عليه في صربيا. لكنه كان خائفاً من الموت بشدة، حيث اتخذ قراراه بالفرار عقب مقتل أحد أصدقائه المقربين في بغداد. "غادرت ببساطة. تركت كل شيء خلفي. لم أكن أهتم إن كنت سأستقر في صربيا أو إيطاليا أو ألمانيا أو ليبيا ... أردت فقط أن أرى عائلتي آمنة. أن أسبقهم وأرسل إليهم ليلحقوا بي".

لكن ما كان يفكر فيه صفا لم يحدث أبداً لعدة أسباب: الأول البيروقراطية في صربيا، ثم نقص المال، وأخيراً رفض زوجته وابنه للحاق به. قطعا الاتصالات معه ولم يعد يعرف عنهما شياً أكثر من أنهما هاجرا إلى الولايات المتحدة.

يبكي صفا وهو يقول:"هذه غلطتي. لم أستطع مساعدتهم"، يسكت قليلاً محاولاً التقاط أنفاسه، لتخفي دموعه إحساساً هائلاً بالذنب والخذلان. "رأيت ابني مرتين لبضع دقائق في دردشة فيديو، لكنني لم أستطع الحديث ... ماذا يمكنني أن أقول؟".

يتابع صفا: حاول كثير من الأصدقاء التوسط لعمل اتصال لكنهم كانوا يرفضون. يبدو أنهم يفكرون أن لدي الآن عائلة أخرى وأطفال. وأنا كما ترى. وحيد منذ عشرة أعوام. يقتلني شوقي إلى ابني وزوجتي كل يوم ألف مرة. أحاول تجاوز الأمر بإغراق نفسي في الأعمال اليومية مع اللاجئين. هذا هو حالي منذ عشرة أعوام".

قبل موجة النزوح الكبرى عام 2015، لم يكن لدى صربيا سوى عدد قليل للغاية من اللاجئين معترف بهم في السجلات، ليس منهم بالطبع مئات الآلاف من الصرب الذين فروا من كرواتيا والبوسنة وكوسوفو خلال الحروب اليوغوسلافية الدموية في التسعينيات.

وقد مر أكثر من مليون مهاجر عبر البلاد على ما يسمى بطريق البلقان في العامين الماضيين. لكن بضع عشرات فقط أرادوا البقاء. وتعاني صربيا من معدلات بطالة مرتفعة ومرتبات منخفضة للغاية. في العام الماضي فقط غادر حوالى 40 ألف صربى البلاد بحثاً عن فرص أفضل فى أماكن أخرى.

على عكس صفا، يرغب مهاجرون آخرون في المغادرة بأسرع وقت ممكن، وغالبا ما يدفعون الكثير من المال للمهربين أو يحاولون عبور الحدود بمفردهم. يقول صفا: "أقول لهم إن عليهم الاستفادة من وقتهم في صربيا لتعلم شيء عن الحياة".

يتحدث صفا إنجليزية ضعيفة نوعاً ما وغالباً ما يختار كلمة صربية عندما ينسى الكلمة الإنجليزية ليعبر عما يريد."أقول للاجئ: إذا كنت تريد أن تذهب، وداعاً، ولكن لا تنسى صربيا. صربيا صغيرة ولكن لديها قلب كبير"، يضيف صفا، وهو يعمل على آلة الخياطة في ورشة صغيرة.

Reportage Flüchtlinge Banja Koviljaca
صفا كون صداقات عديدة خلال تلك السنوات في صربياصورة من: DW/N. Rujevic

أنشئ مركز طالبي اللجوء في بانيا كوفيلجاكا قبل نصف قرن، ليكون الأول من نوعه حينما كانت دولة يوغوسلافيا الاشتراكية لازالت قائمة. بناء قوي على تلة فوق المدينة، وتحيط به الغابات العتيقة، يستوعب الآن حوالي مائة شخص، ومعظمهم من العائلات.

وفي أواخر السبعينات والثمانينيات، قام المركز بإيواء اللاجئين من الكتلة الشرقية أو حتى التشيليين بعد انقلاب عسكري وقع في بلادهم. الآن معظم المقيمين هم من الأفغان أو الأيزيديين العراقيين. وبالنسبة للكثيرين منهم، تصعد صربيا طريق مسدود لرحلتهم نحو أوروبا الغربية، حيث إن حدود البلدان المجاورة مغلقة وتسيطر عليها بإحكام قوات حرس الحدود.

يقول روبرت ليستماستر، مدير مركز اللجوء، الذي أمضى ثلاثة عقود في عمله: "كل هؤلاء الناس كانوا يبحثون عن حياة أفضل، بعضهم لم يكن سوى مهاجرين أرادوا حياة أفضل قادمين من مناطق منهارة اقتصادياً، وبعضهم هرب حقاً من فظائع الحرب".

يضيف:"يعمل صفا معنا يومياً في المركز". يتابع مبتسماً: "رأى صفا في حياته ما قد يرى عشرات آخرين مجتمعين. قابل الآلاف من المهاجرين وتعامل معهم وساعدهم. لم يبق منهم أحد إلا صفا بشاربه العراقي المميز". ويتابع: "يحصل على أجر لمساعدتنا في الترجمة من العربية إلى الصربية التي يجيدها كما يساعد بطرق أخرى، فهو شخص محبوب للغاية من الجميع خصوصاً الأطفال ويريد مساعدة كل هؤلاء الناس".

Reportage Flüchtlinge Banja Koviljaca
رغم شهاداته الجامعية - صفا يختار حياة جديدة أبسطصورة من: DW/N. Rujevic

"هذه هى الحياة"

تظهر ابتسامة مشرقة على وجه صفا بمجرد أن يتحدث عن الأطفال والشباب الذين مروا عبر المخيم. بعضهم أطلق عليه اسم "الأب". يقول صفا: " أحد الشباب عاش معنا لعدة أشهر، وحينما كان يهم بالمغادرة قال لي: شكراً صفا. أنت فقط لم تعلمني اللغة. بل علمتني الحياة".

على الرغم من أنه يحق له أن يبحث عن وظيفة حقيقية خارج المركز ويعيش أينما أراد بحكم وضعه القانوني، إلا أنه لم يكن يرغب في ترك غرفته الفوضوية في بانيا كوفيلجاكا. "هذه هي عائلتي .. عائلتي هنا"، يتابع باكياً: "في كل يوم أرى هؤلاء الأطفال وهؤلاء الناس أرى ابني، ابن أخي، زوجتي ... أرى أهلي، كلهم بحاجة إلى مساعدة، وأنا أساعدهم"

لصفا ثلاثة أشقاء يعيشون في ألمانيا، أحدهم طبيب شهير في فرانكفورت. وفق ما عرف من مقربين فإن زوجته وابنه بخير ويعيشون في سان فرانسيسكو. يقول صفا: "أريدهم أن يأتوا إلي، لكنهم لا يريدون ذلك". بالطيع هو أمر صعب أن يترك أحدهم كاليفورنيا لينتقل إلى مقاطعة صربية صغيرة. "هذه هي الحياة".

هل سيترك المركز؟

يقول صفا:"مضى على وجودي في هذه البلاد عشر سنوات حتى الآن، وإذا ماكانت "ماكا" التي تربيها في المنزل تصبح من أهل البيت بعد عدة أشهر ولا ترغب في المغادرة". ماكا هي كلمة صربية للقطة الصغيرة. "هي تقدر ما فعله معها من اهتم بها وآواها ووفر لها الأمن وبيتاً دافئاً. أنا ماكا".

عماد حسن - مهاجر نيوز

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد