1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عقوبة "الإعدام" سيف معلق فوق رقاب التونسيين

١٥ سبتمبر ٢٠١٨

لم يفق التونسيون من صدمتهم بعد. فما حدث للطفلة المغتصبة ذات الثلاث سنوات لا يزال حديث الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي من تفعيل عقوبة الإعدام التي يقرها فعليا القانون التونسي رغم تعليقها منذ سنوات طويلة.

https://p.dw.com/p/34oSI
Tunesien Protest gegen Vergewaltigung in Tunis
صورة من: DW/T. Guizani

لا يرى أهل الطفلة الضحية التي ترقد في مستشفى مدينة قفصة المحافظة جنوب تونس بين موت وحياة، غير الاعدام للقصاص من المعتدي الذي اغتصبها دون أن يأبه ببراءتها وعجزها عن المقاومة. فبينما يتأنى القضاء في كشف ملابسات الجريمة التي هزت الرأي العام فإن أكثر ما تطلبه الأصوات المستنكرة للحادثة هو العودة الى العقوبة القصوى المهملة منذ العام 1991.

واكتسبت هذه الأصوات زخما أكبر لأنّ الجريمة تزامنت مع جريمة ثانية في نفس الأسبوع، دفعت ثمنها مراهقة في الخامسة عشرة من عمرها كانت تعرضت للخطف من عقر دارها والاغتصاب الجماعي من قبل ثمانية شبان بينهم رجل أمن، يجري التحقيق معهم. والجريمة لم تقف عند هذا الحد، فالمختطفون لم يترددوا في ضرب أمها وجدتها عند خطفها من المنزل، ما تسبب لاحقا بوفاة الجدة متأثرة بجراحها فيما فارقت الأم الحياة بعد بقائها لثلاثة أسابيع في العناية المركزة.

استنفار حقوقي

كانت الجريمتان كفيلتين بدفع جزء كبير من الرأي العام إلى الاصطفاف خلف الدعوة بتطبيق الاعدام على الجناة دون تردد، طالما هذه الدعوة تجد سندا لها في القانون وفي الدستور ذاته الذي ترك الباب مفتوحا لحالات حرمان استثنائية للحق في الحياة.

لكن على الجهة المقابلة استنفرت الجريمتان أيضا الجماعات والنشطاء المدافعين عن حقوق الانسان، وبشكل خاص المنظمات المناهضة لعقوبة الاعدام والتي أدلت بدلوها من اجل التخلي نهائيا عن العقوبة مهما كانت طبيعة الجرائم المرتكبة.

Tunesien Protest gegen Vergewaltigung in Tunis
قصر العدالة في تونسصورة من: DW/T. Guizani

يعتقد شكري لطيف رئيس الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الاعدام أن الدعوات المتزايدة لتفعيل عقوبة الإعدام لا تخرج عن السياق الشعبوي على اعتبار أن العنف المتفشي في تونس لا  يصدر فقط عن الأفراد بل هناك عنف متبادل من جانب الدولة، وهي برأيه ظاهرة معممة في السجون والفضاءات العامة وحتى داخل الأسر.

يوضح لطيف في حديثه مع DW عربية انه من غير الصواب التصدي لجرائم العنف والاغتصاب بالعودة الى عقوبات القرون الوسطى، طالما ان هذه العقوبة لن توقف نزيف الاغتصاب، بدليل انه ومنذ استحداثها في زمن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة باني دولة الاستقلال في خمسينات القرن الماضي، فإنها لم تردع المغتصبين واستمرت الجريمة بذات البشاعة في حكم بورقيبة وحتى بعد مماته.

ويعلق رئيس الائتلاف على المسار التاريخي للعقوبة منذ ادراجها في القانون التونسي الحديث بعد الاستقلال عام 1956 "ما حصل انه بدل جريمة واحدة أصبحنا نقف على جريمتين متلازمتين، فالمغتصبون أصبحوا لا يترددون في قتل الضحية بعد اغتصابها لدفن الحقيقة معها وتفادي الإعدام".

وبحسب أرقام المنظمة، فقد اعدم  135 شخصا منذ العام 1956 لكن وبدءا من عام 1991 قرر النظام تعليق العقوبة بضغط من المنظمات الحقوقية الدولية لكن لم يتم الغاءها من القانون. وظلت المحاكم تصدر احكاما بالإعدام لكنها لا تفعل ويتم التخفيض فيها الى السجن مدى الحياة.

Tunesien Demonstration gegen Gewalt gegen Frauen
الاغتصاب والعنف، يكاديكون ظاهرة تستهدف النساء في تونسصورة من: DW/T. Guizani

ويبدو أن الدولة تتجه أكثر فأكثر لتجاهل العقوبة إذ أنها لم تدرجها في القانون المجرم للعنف ضد المرأة والذي صدر في عام 2017، ولا سيما فيما يرتبط بجرائم الاغتصاب.

حجج ضد عقوبة الإعدام

وهناك عدة حجج يسوقها شكري لطيف لـDW عربية في دفاعه عن الغاء العقوبة رغم تواتر الجرائم البشعة، أولها انها تنتهك الحق في الحياة، وهي عقوبة غير قابلة للمراجعة.

ويملك الائتلاف في هذا السياق مثالا ارتبط بقضية الشاب ماهر المناعي الذي حكم بالإعدام شنقا منذ العام 2003 في جريمة قتل لكنه ظل يدفع ببراءته الى أن اكتشف صدفة وبعد أن قضى تسع سنوات في السجن، شهادة سجين آخر معه كان قد حضر واقعة الجريمة وأدلى بهوية القتيلين الأصليين، ما دفع القضاء في 2017 الى اعادة التحقيق في القضية، في خطوة نادرة.

وفي نظر الائتلاف فإن الإعدام يظل عقوبة انتقائية وتمييزية، وهذا الحكم يستند الى احصاءات أنجزها نشطاء المنظمة وتفيد أن أغلب المشمولين بالعقوبة هم من الطبقات المسحوقة ومن الأقليات، ويرجع شكري لطيف سبب ذلك في تقديره الى ضعف وسائل الدفاع لديهم.

والحجة الأخرى أن العقوبة ظلت دائما تنكأ جراحا قديمة وذكريات مؤلمة من تاريخ الانسانية، ذلك أن الاعدام ارتبط في الكثير من الفترات التاريخية بكونه أداة قمع للسلطة والأنظمة الاستعمارية والاستبدادية ضد المعارضة السياسية والقوى الوطنية المقاومة للاستعمار.

Tunesien Protest gegen Vergewaltigung in Tunis
تظاهرات ضد العتنف الذي يستهدف النساء والأطفال في تونسصورة من: DW/T. Guizani

كما أن هناك تأويلاً آخراً يشير إليه الائتلاف وهو المعيار المزدوج الذي يسمح للدولة بارتكاب الاعدام والقتل بينما تمنعه عن الأفراد. وتقوم فلسفة الائتلاف هنا على منع الاعدام من الجانبين، إذ ليس هناك معيار دقيق يسمح فعلا بالاطمئنان الى أن عقوبة الدولة تشملها دائما قاعدة العدل والإنصاف.

يقول القاضي عبد الحيكم بوجمعة وهو ناشط في مجال العقوبات البديلة، في حديثه مع DW عربية "إن الأصل في التشريعات منذ القدم ومنذ شريعة حمورابي هو "انسنة القوانين" وهو مسار اتبعه الأنبياء أيضا، لذلك فان بشاعة أي جريمة حسب رأيه، لا تعد في ذاتها معيارا كافيا لعقوبة شنيعة".

علاج وعقوبات بديلة

تعمل المنظمات على الدفاع عن مبدأ الحق في الحياة لكنها في نفس الوقت تحاول النأي بنفسها عن أي اتهامات بالتعاطف مع المجرمين أو تبييض أفعالهم الشنيعة. وفي هذا السياق يدعو شكري لطيف الى تشديد العقوبات لكن مع العناية بالمعالجة النفسية والإحاطة الاجتماعية.

يوضح لطيف قائلا "أغلب مرتكبي جريمة الاغتصاب أما تعرضوا إلى حالات مماثلة أو أنهم عاشوا حالات كبت جنسي أو أنهم ضحية خلل مجتمعي. لقد حدثت حالات اغتصاب شنيعة لأطفال وعجائز أيضا. يجب أن نفهم هذه الظواهر. لماذا حصلت وكيف يمكن أن نحصن المجتمع".

من جهتها اطلقت المنظمات المعنية بحقوق النساء والأطفال حملة وطنية تحت شعار "ما تمنيش" (لا تلمسني) لمناهضة جرائم الاغتصاب والتصدي لظاهرة الإفلات من العقاب في مثل هذه الجرائم لكن دون التعرض إلى عقوبة الإعدام.

وفي حديثها لـDW عربية تقول فضيلة المليتي الناشطة في منظمة النساء التونسيات للبحث حول التنمية، إن أقصى ما تطلبه المنظمة هو تطبيق ما ورد في القانون الذي يجرّم للعنف ضد المرأة وضد الأطفال بصرامة حتى لا يتحول العنف والإغتصاب إلى وباء في المجتمع.

وتضيف فضيلة قائلة "الدولة ملزمة بتطبيق القوانين بحذافيرها لأن الخطر أصبح يهدد الأطفال والنساء على السواء. اصدار القانون خطوة جيدة لكن الأهم من ذلك هو تفعيله".

ويتضمن القانون الذي صدر في 2017 عقوبات مشددة ضد العنف والجرائم المرتكبة ضد النساء والأطفال تصل الى السجن مدى الحياة لكنه لا يتضمن عقوبة الإعدام.

ومن أجل علاج طويل المدى لظاهرة تفشي الإجرام في المجتمع، يعتقد القاضي عبد الحكيم بوجمعة أن الوقت قد حان من أجل الاهتمام أكثر بالعقوبات البديلة ما سيساعد على وضع علاج تدريجي لظاهرة الإجرام والحد منها وهي مقاربة تجد تبريرها أيضا في أزمة السجون المكتظة في تونس وتدني مستوى بناها التحتية .

وفي نظر الناشط فإن تغليب النهج التعويضي والتصالحي على حساب النهج الردعي والعقابي سيسمح بالحد من تفشي الجريمة، وهو ما يعمل عليه في مكتب المصاحبة النموذجي بمحكمة الإستئناف بسوسة والذي يعني بمتابعة الموقوفين والمشمولين بالعقوبات البديلة لخدمة الصالح العام مستلهما مقاربته من التجربة الألمانية في مجال "أنسنة العقوبات".

 طارق القيزاني- تونس

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد