1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عماد الدين حسين: رابحون وخاسرون في تفجير الكنيسة البطرسية

١٥ ديسمبر ٢٠١٦

في مقاله الأسبوعي لـ DW عربية يستعرض الكاتب الصحفي عماد الدين حسين الرابحين والخاسرين في تفجير الكنسية البطرسية والمخاوف من تقوقع الأقباط في المجتمع المصري.

https://p.dw.com/p/2UIej
Kolumnisten Emad El-Din Hussein

الحادث الإرهابي بتفجير الكنيسة البطرسية في العاصمة المصرية القاهرة صباح الأحد الماضي مدان بأشد العبارات الممكنة، لكن في أي حادث من هذا النوع هناك رابحون وهناك خاسرون على المستوى السياسي، وربما على مستويات أخرى.

التحليل في السطور المقبلة يعتمد على فرضية أساسية خلاصتها أن الانتحاري الذي فجر نفسه - كما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء تشييع الضحايا في اليوم التالي - هو محمود شفيق، وعلى بيان وزارة الداخلية الذي يربط بين هذا الانتحاري وجماعة الإخوان المسلمين، تم البيان الذي تبنت فيه داعش مسئولية العملية مساء يوم الثلاثاء الماضي.

الرابح الأول بالطبع هو تنظيم داعش وسائر التنظيمات الإرهابية المتطرفة، لأنه عبر هذه العملية يقول أنه قادر على تنفيذ عملياته النوعية في أي مكان حتى في قلب القاهرة، بل وفي كنيسة ملاصقة للكاتدرائية المرقسية الرئيسية بمنطقة العباسية.

قبل هذا الحادث الإجرامي بأقل من 48 ساعة، كانت هناك عملية نوعية أخرى تمكن فيه الإرهابيون من قتل ستة من رجال الشرطة في كمين ببداية شارع الهرم ناحية محافظة الجيزة، لكنه بعيد بمسافة كبيرة جداً عن الأهرامات الثلاثة التي تقع في نهاية هذا الشارع الطويل. وفى اليوم نفسه كانت هناك عملية إرهابية أخرى في كفر الشيخ أقصى شمال مصر أدت إلى سقوط شهيد من رجال الشرطة وإصابة آخرين.

كانت ضربات داعش أو أنصار بيت المقدس تكاد تكون محصورة في زاوية صغيرة جداً في مثلث لا تزيد مساحته عن ٣ بالمئة من مساحة شمال سيناء، لكن في الأسبوع الأخير توالت العمليات بما قد يوحى أن هناك تغيراً نوعياً في قواعد اللعبة. والسؤال هل هذا التغيير هو نتيجة إحباط المتطرفين كما قال الرئيس السيسي، أم أنهم قرروا أن يوسعوا نطاق الضربات؟

الرابح الثاني: هو الجناح المتطرف داخل جماعة الإخوان الذي يخوض صراعاً مع تيار يوصف بالاعتدال، من أجل التوسع في استخدام العنف والإرهاب ويراهن هذا الجناح ومعه كل المتطرفين على أن رد فعل الحكومة وأجهزة الأمن المتوقع هو زيادة القبضة الأمنية، وبالتالي فإن ذلك سيهيئ للمتطرفين مساحات أفضل من العمل ورد الفعل واستقطاب المزيد من الشباب ليكون وقوداً لهذه الحرب المستعرة. لكن الأخطر أن هناك رحلة نزوح من بعض شباب جماعة الإخوان باتجاه الفكر الداعشي ،وهو أمر يستحق نقاشاً مفصلاً.

الرابح الثالث: هو الجناح المتشدد داخل أجهزة الحكم، وهو أمر قد يبدو غريباً جداً. هذا الجناح كان يعارض أي خطوات إصلاحية تجاه تخفيف حدة الاستقطاب وإطلاق مسجونين وإطلاق المزيد من مساحات الحرية والتوسع في العمل السياسي على حساب الرؤية الأمنية. وبعد هذا الحادث، فمن المتوقع أن يتم استغلال صور ومشاهد التفجير المرعبة، لبعث رسالة إلى كل من يهمه الأمر خلاصتها أن المتطرفين لا يصح معهم إلا استخدام أقصى أنواع القوة، وهؤلاء يستحضرون مقولة وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء أحمد زكي بدر، وهي: «الضرب في سويداء القلب» خلال تعامله مع المتطرفين من الجماعات الإسلامية في حقبة التسعينيات.

الرابح الرابع: هو الحكومة التي سيخف الضغط عليها نوعاً ما في ملف الإصلاح الاقتصادي والأسعار الملتهبة والتي تتزايد كل يوم، لكن البعض يقول من جانب آخر إن الحكومة تخسر نتيجة أن الحادث يظهر عجزها عن حفظ الأمن والاستقرار.

أما في جبهة الخاسرين فإن الخاسر الأول هو المجتمع المصري بأكمله الذي يتعرض لتهديدات متوالية، والحادث الأخير هو محاولة متقدمة لإيقاع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، ومحاولة الإرهابيين الإيحاء بأن الحكومة غير قادرة على حماية المسيحيين الذين دعموا ثورة 30 يونيو 2013 التي أخرجت جماعة الإخوان من الحكم.

الخاسر الثاني هو كل القوى المدنية والليبرالية التي تطالب بالمزيد من الحريات، ثم فوجئت أن المطلوب هو تشديد العقوبات والتوسع في المحاكمات العسكرية لمواجهة الإرهابيين، وهو أمر قد يقود إلى تضييق ما تبقى من هامش ضئيل للحريات، خاصة أن هذا الحادث يأتي بعد أيام قليلة من إصدار قانون الجمعيات الأهلية، ثم الموافقة المبدئية على قانون الهيئات الإعلامية.

الخاسر الثالث هو التيار المنفتح داخل أقباط مصر، الذين كانوا يناضلون من أجل عدم تقوقع المسيحيين في غيتو، بل الانفتاح على المجتمع بأكمله، ثم جاء هذا الحادث، ليحاول إعادة الأمور إلى المربع الأول. هذا المربع هو التعامل مع المسيحيين باعتبارهم غير مندمجين في قضايا المجتمع المختلفة، يدير شأنهم البابا فقط بالتعاون مع الحكم. وبدلاً من انخراط المسيحيين في هموم كل الوطن، يريد التفجير الأخير أن يقول لهم إن الأولوية الأولى لكم هي حفظ حياتكم وأمنكم وكنائسكم وليس القضايا الاجتماعية والاقتصادية.

ما سبق تصور مبدئي للرابحين والخاسرين، وإن كان ظني أن الكثير من القوى الإرهابية حاولت على مر سنوات طويلة أن توقع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين وفشلت في كل المرات تقريباً. وظني أنها سوف تفشل هذه المرة أيضاً

عماد الدين حسين