1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عماد الدين حسين: عندما تخذل السياسةُ الرياضةَ

٢٨ يونيو ٢٠١٨

في مقاله* لـ DW عربية يطرح الكاتب الصحفي عماد الدين حسين تساؤلات حول علاقة السياسي بالرياضي في الدول العربية. ويدعو السياسيين إلى تحمل مسؤولياتهم في ضوء الحصيلة المخيبة للمنتخبات العربية في مونديال روسيا.

https://p.dw.com/p/30U4n
Kolumnisten Emad El-Din Hussein

هل هناك علاقة بين السياسة والرياضة؟!

بالطبع السياسة تدخل فى كل المجالات، لكن دورها يزيد فى الرياضة فى البلدان النامية والمتخلفة والمستبدة، ويقل كثيرا فى البلدان الديمقراطية والمتقدمة.

لكن ما هي مناسبة هذا السؤال الذى قد يراه البعض شديد العمومية؟!

الإجابة هى حالة الإخفاق الكبير للمنتخبات العربية الأربعة التي شاركت فى المونديال الكروي الكبير المقام فى روسيا منذ حوالى أسبوعين.

فى هذا العرس العالمى تأهلت أربعة دول عربية للمونديال هي مصر والسعودية وتونس والمغرب، وجميعها خرجت خالية الوفاض، ولم يتمكن أيّ منها من عبور الدور الأول. 

طبعا حالة الإخفاق كانت نسبية لكل منتخب عربي، فالمغرب مثلا قدم عروضا جيدة فى تقدير غالبية خبراء اللعبة، ويكفيه أنه تعادل مع إسبانيا بعد أن كان متقدما حتى الدقائق الأخيرة، كما أجاد أمام البرتغال وإيران.

 تونس أيضا كان أداؤها ممتازا أمام أنجلترا فى حين أن مصر والسعودية قدما أداءا ضعيفا إلى متوسط فى أول مباراتين أمام روسيا وأوروغواي، وتمكنت السعودية من الفوز على مصر فى المباراة التى جمعت بينهما عصر الاثنين الماضي.

غالبية المصريين غضبوا من مستوى منتخبهم، لأنهم راهنوا عليه كثيرا قبل بداية المونديال، رغم أن مستواه، لم يكن يؤهله عمليا بأكثر مما فعل. وقد كتبت فى هذا المكان فى الأسبوع الماضي محذرا مما أسميته خطورة المبالغة فى الأحلام وتضخيمها.

ما حدث لدى غالبية المصريين، عانى منه السعوديون وإلى حد ما التونسيون والمغاربة، مع فوارق نسبية.

كثيرون سألوا بجدية عن سر الإخفاق الجماعي العربي فى المونديال، وكثيرون سخروا على وسائل التواصل الاجتماعي وتفننوا فى جلد الذات.

الآن وقد خرج كل العرب، فهل هناك تفسير لهذا الأمر؟!

لن أخوض فى التحليل الرياضي والفني، لأن هذا ليس مجالي، كما أنه ليس موضوع هذا المقال. لكن سأركز على نقطة قد تبدو غريبة بعض الشيء، وهي العلاقة بين السياسة والرياضة في العالم العربي والعالم الثالث.

فى تقديري أنه ليس من العدل والانصاف صب جام غضبنا على اللاعبين، فنحن جميعا نعرف مستواهم، وقد لعبوا فعلا فى حدود قدراتهم إلى حد كبير. لكن العامل الأكبر، الذي يتغافل عنه كثيرون في المنطقة العربية هو أثر التدخل السياسي والحكومي حينا في شؤون اللعبة الكروية، وأحيانا إدارتها مما يؤدي إلى كوارث ومآسي كثيرة.

بحكم التجارب العربية منذ سنوات طويلة، فإن الكثير من المسؤولين العرب، حاولوا الاستفادة من نجومية لاعبي وأندية كرة القدم. هذا النموذج يتجسد في العديد من بلدان الخليج العربية. ورأينا أمراء وشيوخ من العائلات الحاكمة يرأسون أو يديرون بصورة عملية أو شرفية معظم أندية كرة القدم فى بلدانهم.

هم كانوا يحرصون على التقاط الصور مع نجوم الأندية، خصوصا في حالات الفوز بالبطولات أو المباريات المهمة. في تقديرات بعض الخبراء فإن كرة القدم فى معظم بلدان الخليج هي المظهر الرئيسي المتاح للمواطنين لممارسة الحرية والتعددية علي أساس أن ذلك ممنوع في معظم هذه البلدان على مستوى نشاط الأحزاب والقوى السياسية.  بينما يمكن الانتماء الرياضي غالبية المواطنين من ممارسة الاختيار والتأييد والتضامن والمعارضة فى المنافسات الكورية.

فى مصر  وقبل ثورة يناير 2011 كان أبنا الرئيس الأسبق جمال وعلاء حسني مبارك دائمى الظهور مع المنتخب القومي لكرة القدم. وكان علاء تحديدا من كبار داعمي ومشجعي فريق الإسماعيلي. والإثنان كانا يحرصان على المشاركة في الدورات الرمضانية المصغرة مع كبار نجوم الكرة والفن. وحتى هذه اللحظة فإن هناك أثر لتلك العلاقات مايزال موجودا.

نفس الأمر مع فارق فى الدرجة تكرر فى تونس قبل ثورة ديسمبر 2010 حيث كان سليم شيبوب صهر الرئيس الأسبق بن على هو رئيس نادي الترجي وأحد كبار المتنفذين رياضيا وقتها.

أولاد الرؤساء وبعض المسؤولين استفادوا كثيرا من علاقتهم بالرياضة، وحاولوا التقرب من شعوبهم عبر هذه العلاقات، فى مرات كثيرة دعموا هذه الفرق وسهلوا لهم الكثير من الأمور، وحلوا الكثير من المشاكل التى واجهتهم.

لكن فى المقابل فإن هذا التدخل ألغي تماما، قيمة المؤسسية فى هذه الفرق سواء كانت أندية أو منتخبات. وسمعنا كثيرا عن تدخل هذا الشيخ أو ذاك الأمير فى كل كبيرة وصغيرة فى شؤون فريقه، بحيث يقوم بالضغط على المدرب لإشراك هذا اللاعب أو إبعاده.

وسمعنا أيضا عن  تدخلات حكومية سافرة لانتقال بعض اللاعبين من أندية إلى أخرى،حسب درجة تشجيع المسؤول وحبه لناديه. وهذا الأمر تكرر فى العديد من البلدان العربية.

وهناك مؤشرات ماتزال موجودة حتى الآن عن إغداق بملايين الدولارات من أندية وبلدان خليجية ليس فقط على اللاعبين والأندية داخل بلدانهم، لكن بدأت الظاهرة تنتقل إلى بلدان أخرى فى المنطقة. قبل هذا التطور فان رجال أعمال كبار مقربين جدا أو أعضاء في حكومتي الإمارات وقطر جربوا فكرة امتلاك أندية كبيرة فى أوروبا. فقطر تمتلك فريق باريس سان جيرمان ودفعت ما يقارب من مليار يورو من أجل انتقال اللاعب البرازيلى نيمار من برشلونة منها فقط 222 مليون يورو شرطا جزائيا فقط.. فى حين أن الإمارات اشترت نادى مانشستر سيتي، الذي فاز ببطولة الدوري الإنجليزى هذا العام.

ليس عيبا أن تستثمر أي دولة أو هيئة أو رجل أعمال فى صناعة كرة القدم، لكن المهم أن يكون ذلك بطرق مؤسسية وفى إطار شفافية كاملة، وبحيث لا تطغى السياسة على الكرة. رغم أن ذلك صار شبه مستحيل تقريبا. فالسياسة تطغى على كل شيء فى المنطقة العربية وأولها الرياضة. من حق الجماهير العربية أن تغضب بسبب سوء الاداء في المونديال، والملفت أن الغضب هذه المرة، لم يكن موجها إلى اللاعبين فقط، ولكنه ذهب أبعد من ذلك إلى إدارة المنظومة الرياضية بصفة عامة بل وهمس البعض في بعض البلدان بأن السياسة افسدت الرياضة، وهذا مؤشر خطير ينبغى على الحكومات العربية أن تلتفت إليه، وتتعامل معه بجدية.

* المقال يعبر وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات