1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

فالح حسون الدراجي:البير كلما غمُّگن جَرحَه المِساحي، يزيد ماي

٩ سبتمبر ٢٠١٠
https://p.dw.com/p/P7Xt

ومرة أخرى يهوي نجم عراقي آخرمضرعاً بوهجه الوطني وسط هذه الظلمة الجنونية الحالكة، نجم واعد، كنا ننتظر منه الكثيرمن الضوء، والجمال، والمتعة، ونتأمل منه الكثير من الفائدة والمعرفة، خاصة في مجالات القانون، والتشريع.. والإدارة.. فرياض السراي شهيد القناة العراقية، ونجمها الباهر، هو قانوني متخصص أكاديمياً .. وإعلامي مبتلى بحب الإعلام، وخدمي محترف - حيث يعمل مديراً للناحية في مدينة الشعلة - وعراقي ( إختصاص) في حُب العراق من زاخو حتى الفاو.. و هو وإن كان نجماً (شاباً) في أول لمعانه وبريقه الواعد، لكنه كان قمراً عراقياً مشعاً، شق طريقه بقوة وسط هذا الزحام الكبيرمن النجوم، والأقمار العراقية الساطعة، فمضى بشجاعة فائقة في طريق الإعلام - الذي بات اليوم أقصر الطرق وأسرعها نحو الموت -! وإذا كنت لم أعرف رياض من قبل، لأني غادرتُ العراق وهو ربما كان طالباً في الدراسة المتوسطة، لكني أحببته بسرعة، وتعاطفت معه، ومع برامجه، منذ أن رأيته أول مرة عبر شاشة القناة العراقية قبل سنوات قليلة، حتى صرت أتابعه بإستمرار وتواصل عجيب، بخاصة حواراته مع كبار الأساتذة الأكاديميين، والعلماء، والمفكرين، ورجال السياسة، وشيوخ الدين، حيث كان يناقشهم بحب، ومودة، وهدوء، ومهنية عالية .. وللحق فقد كنت أغبطه على هذا الهدوء، وهذا الصبر المُمل الذي كان يتسلح بهما أمام ضيوفه، خاصة وإن بعضهم كان ( يشلع الگلب ) لبخله في الكلام، وبعضهم الآخر كان يحرق الأعصاب لإسرافه في الحديث .. وبقيت علاقتي برياض السراي علاقة مُشاهِد بمقدِّم برامج ليس أكثر، حتى ألتقيته قبل فترة قصيرة في أحد ممرات شبكة الإعلام العراقي، وأنا أتمشى مع الشاعرجبار رشيد، إذ فاجأني رياض وهو يبتسم لي من بعيد، وكأنه يعرفني منذ سنين طويلة.. وقبل أن أنتبه له، وأتأكد منه، مدَّ يده لي مصافحاً وهو يقول ببشاشة وود : الشبكة اليوم إمنورَّة إستاذ فالح ... صافحته، وأحتضنته بود، وشكرته كثيراً على هذا الإستقبال الجميل.. ثم جرى بيننا حديث قصير- ونحن نتمشى في الممر- حول الشعر، والإعلام في العراق .. بعدها ودَّعني على عجل ومضى، فقد كان لديه موعد في الأستوديو لتسجيل حلقة جديدة ..

لقد كان هذا اللقاء، أول، وآخر لقاء جمعني بهذا الفتى الهاديء، الطيب ..

واليوم، وإذ تأتي لنا الأنباء المحزنة بنبأ إستشهاد رياض السراي، فأذهب مرعوباً نحو القنوات الفضائبة، والمواقع الوطنية لأتأكد من النبأ، عسى أن يكون الخبرغير صحيح، فأصطدم بمن يؤكد لي صحة هذا النبأ، خاصة من جهة القناة العراقية التي ينتسب لها الشهيد رياض، حيث وضعت صورته في يسارالشاشة.. فضلاً عن عدد من المقالات التأبينية التي سطرها عدد من الكتاب العراقيين الشرفاء بحق هذا النجم العراقي المضيء وهي منشورة على واجهة المواقع العراقية الشريفة، لحظتها لم أستطع قط الصمود حيال هذه المصيبة، فبكيت بمرارة، وكأني أبكي أخي الشهيد ( خيون )، متذكراً وجه رياض الباسم الوديع، ومستذكراً بشاشته وهو يستقبلني ذلك الإستقبال الجميل.. حتى رحت أستذكر كل كلمة قالها في تلك الدقائق العشر التي وقفتها معه في ممر( القناة العراقية ).. بل رحت أستذكر بفخر وأسى معاً، شهداء الإعلام من أبطال العراق واحداً واحداً.. فكل الأعلاميين الذين سقطوا في ساحة المجد العراقية، وهم يدافعون عن الحقيقة، ويصدون بأجسادهم وقلوبهم سهام الإرهاب الأسود هم بنظري أخي خيون، وزميلي رياض السراي، وعندي أن كل إعلامي عراقي حي، هو اليوم مشروع شهادة وإستشهاد في العراق المبتلى بجهنم البعث والأرهاب الأسود.. فالصحفي العراقي مهما كانت وظيفته وإختصاصه هدف القتلة والمجرمين. لذلك ترى القتلة يبذلون الوقت، ويخاطرون بالغالي والنفيس، فيعرضون حياة أبرز أعضائهم للخطرمن أجل أطفاء مصباح إعلامي وطني مثل رياض السراي، وأجزم أن الأرهابيين لايخشون شيئاً بقدر خشيتهم من الإعلاميين، لأن في يد الأعلاميين العراقيين الشرفاء معاول حفر قبر الإرهاب، بل ودفنه كذلك.. وفي يد الصحفيين العراقيين النجباء رايات فضيحة الإرهابيين التي ستنشريوماً على كل أعمدة الحقيقة، مهما غطى الأرهابيون على عارفضيحتهم.. نعم لقد بكيت (لموت) رياض السراي أمس، لكني أستيقظت بعد قليل على مجد ( إستشهاده )، وليس موته، فبين الموت والإستشهاد مسافة واسعة، هي أوسع من المسافة التي تفصل بين الموت والحياة .. لذلك لم يطل وقت البكاء عندي أمس.. فقد أوقفني عن الدمع، ما يزيل الأسى ويغسل الهم اللذين يفجرا الدمع في المآقي، وما هذا الشيء، إلاَّ بيتاً شعرياً قاله يوماً الشاعر الكبير كاظم إسماعيل الگاطع وهو ينعى شهيداً مضى الى ساحة الخلود. وللحق، فإني كنت أتسلح بهذا البيت كلما هوى نجم عراقي، وما زلت أتقوى به كلما حلت بي مصيبة من نوع المصيبة التي حلت بنا أمس ( في منطقة الحارثية ) حيث أغتيل رياض السراي.. إنه بيت شعري ليس أكثر، كان قد قاله الگاطع قبل خمسة وثلاثين عاماً .. وفيه من المعنى ما يجعل القلب قوياً، ومنيعاً، وثابتاً مهما كانت الخسارة مفجعة، إذ يقول الگاطع فيه :-

الغابة ماتگظيها سَّلة ..

وشجرَّة اليخلص ثمرها .. إتاني موسم ثاني جاي

والخناجر ماترد چف اليهِّد وســــــلاحه جرحه ..

البير كلما غمگن جرحه المســــاحي .. يزيد ماي

فالح حسون الدراجي

كاليفورنيا