1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

قراءة في "الديمقراطية النوعية"

أحمد رسن/ ضياء المنصور٧ نوفمبر ٢٠١٣

يفكك الكاتب احمد رسن المشهد العراقي ، متناولا بالتحليل التاريخ السياسي مرتبطا بالجيوبولتيك . ضياء المنصور أعد قراءة للبحث التحليلي الموسوم " الديمقراطية النوعية".

https://p.dw.com/p/1ADTB
A young Iraqi girl, who accompanied her family to the polling station, asked for her finger to be inked, even though she was too young to vote, shows her inked finger as she leaves the polling station in Karbala, Iraq, Sunday, March 7, 2010. Iraqis voted Sunday in an election testing the mettle of the country's still-fragile democracy as insurgents killed 25 people across the country, unleashing a barrage of mortars intent on disrupting the historic day. (AP Photo/Ahmed al-Hussainey)
صورة من: AP

تمر الشعوب والأوطان بمراحل سياسية وامنية واجتماعية وثقافية مختلفة تؤثر فيها وتتأثر بها مما يجعل تلك الشعوب تتغير تبعا لما تأثرت به؛ ولا يخفى على المتابعين وأصحاب الشأن ما تعرض له الشعب العراقي طوال نشأة الدولة الحديثة في اوائل القرن العشرين من أحداث عديدة جعلته يقع تحت المؤثرات حتى وصلت الدولة العراقية بعد أحداث عام 2003 الى ما باتت عليه اليوم من تجربة مختلفة قل نظيرها في الشرق الأوسط بمختلف تفاصيلها.

إذ قبل البدء في دراسة أهم ما جاء في بحث الكاتب احمد رسن وديمقراطيته النوعية كما يسميها ، لابد من التطرق الى بعض المراحل التي عاشتها الدولة العراقية والتي نتجت عنها حالات عديدة أهمها التباين الكبير في الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي و انعكاس هذا التباين على المسيرة السياسية للعراق بعد 2003.

العراق.سلسلة من المعوقات وبصيص أمل!

تعرض العراق الحديث إلى سلسة أحداث بدأت بما سمي الاستعمار الانكليزي شانه شأن دول العالم الثالث ومن ثم الاستقلال الملكي مرورا بعملية الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الكريم قاسم وتأسيس الجمهورية ومن ثم الحكومات المتعاقبة بعد اغتيال قاسم حتى سيطرة حزب البعث المنحل على مفاصل الدولة ومقدراتها.

خلال هذه الحقبة التي امتدت الى أكثر من ثمانين عاما عانى الشعب العراقي من نتائج الجهل وقلة التعليم والتغيرات الاجتماعية و الثقافية نتيجة السياسات المتقلبة وبطش الحكومات ومفاهيم تتعلق بين الانتماء الجبري للأحزاب و منع تأسيس الأحزاب و حظر الحراك السياسي بشكل عام،كما امتد هذا البطش والانغماس فيه الى الشأن الثقافي والاجتماعي وحتى الديني فبات الشعب العراقي بجميع فئاته يتعرض الى حالة من قلة الوعي والإدراك وان بدت معالمها في مراحل متأخرة الا انها متجذرة وستستمر لأجيال اخرى عديدة ان لم يتم علاجها ولو بشكل تدريجي كما يشير الكاتب في معرض بحثه.

حيث يسلط الكاتب الضوء على فسحة الحرية السياسية الكبيرة المتوفرة في الدولة العراقية بعد 2003 والتي تعد احد اركان النظم السياسية الديمقراطية ، الا وهي العملية الانتخابية التي على اساسها توضع اركان العملية السياسية التي تنظم شؤون الدولة من خلال ما نص عليه الدستور المعمول به حاليا، حيث يتم انتخاب مجلس النواب كل اربع سنوات وكذلك الحكومات المحلية للمحافظات ،فضلا عن تنظيم الاستفتاءات الرسمية الخاصة بإنشاء الأقاليم والتعديلات الدستورية وغيرها من القضايا المشار إليها بالدستور او المستحدثة.

الدولة العراقية بين التشويه القسري وحلم الدولة المثالية

وهنا يستعرض الكاتب نموذجا نوعيا للديمقراطية يتلائم مع ما تعرضت له الدولة العراقية من حالات تشويه قسري وإجباري نتيجة سياسات الانظمة السابقة والحروب والعقوبات الدولية التي فرضت لاكثر من عقد من الزمن والتي ولدت ضعفا كبيرا في جانب التعليم الاكاديمي انتج نكوصا في الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي،حيث لاحاجة لذكر ما للتعليم من اهمية فهو يعد من المقاييس الدقيقة للتطور والنجاح؛ وهنا لابد من الاشارة ودون خجل الى (عمق التباين في الوعي والإدراك عند عامة الشعب العراقي نتيجة زيادة نسب الامية وشحة الثقافة ونفاد الرؤى التقويمية للعملية السياسية عند عامة الناس وكذلك استغلال هذه الترسبات من قبل بعض النخب السياسية التي تعتمد على هذه الشرائح في الوصول الى اهم مفاصل الدولة بسهولة ودون الشعور بالمسؤولية تجاه الدولة والشعب ومستقبل الوطن) .

حيث يلخص الكاتب رؤاه في ضرورة إعطاء الناخب العراقي حقه الكامل في اختيار مرشحه لعضوية مجلس النواب وعدم حرمانه من التصويت؛ الا ان الكاتب يشدد في الوقت نفسه على ان لاتتساوى جميع اصوات الناخبين، حيث يضع الكاتب ميزانا يطلق عليه ( الوزن الصوتي للناخب ) يفرق فيه بين الناخب الامي والناخب المتعلم والناخب الأكاديمي مرورا بشرائح مختلفة لا يمكن ان تتعادل أصواتها مع صوت الناخب الأمي (مع فائق التقدير لجميع الأشخاص ودون تفريط او تقليل من وطنية ومسؤولية احد)،وكما قال الله في كتابه الحكيم (( هل يستوي الذي يعلمون والذي لايعلمون )).

الديمقراطية النوعية.. تمايز ايجابي

ومن هنا يبدأ التحول في العملية الانتخابية التي هي اساس العملية السياسية في العراق الجديد،حيث تبدأ كفتي الميزان الانتخابي باعطاء كل ذي حق حقه دون المساس في اصل المعادلة الانتخابية او حقوق جميع الناخبين.

فالناخب الامي وضمن القواعد الانتخابية سيأخذ حقه الكامل في التصويت وهذا ماتضمنه الديمقراطية النوعية وكذلك فانها تضمن ان يحصل الناخب الاكاديمي والمثقف والمتعلم على حقه ايضا ووفقا لما وصل اليه من درجات التعلم والعلم والمعرفة.

حيث ان الديمقراطية النوعية تعطي جملة من الافضليات للناخب النوعي مثل الاكاديمي كونه سار ويسير في طريق المعرفة والوعي والنضج سواءً الاجتماعي او الثقافي او الادبي او السياسي وكما تقع المسؤولية الاجتماعية على المتعلم اكثر من الجاهل والراشد اكثر من غير الراشد ، فأن العملية الانتخابية هي الاولى في ان يوضع فيها هذا التمايز الايجابي.

في الديمقراطية النوعية الى من تتجه بوصلة المرشحين؟

وبعد ان يتم وضع الاسس والاطر التي عرض المؤلف نماذج عنها في كتابه الصادر حديثا (الديمقراطية النوعية) سوف تتجه بوصلة المرشحين وجميع الاطراف السياسية والراغبة بالتنافس في اي عملية انتخابية او استفتاء الى الجهة صاحبة الثقل في الميزان الانتخابي او تلك الفئة التي تملك التمايز الانتخابي لتعرض عليهم برامجهم بكل تأن ودقة وواقعية بعيدا عن الأساليب التي يخاطبون بها الناخبين الذين لايملكون سمة التمايز الانتخابي ( الوزن الصوتي ) كما تسميه الديمقراطية النوعية كونهم لايملكون سوى صوت واحد وان عداه فسوف يبقى قليلا .

حيث سيكون من البديهي ان المرشح او الكيان السياسي يبحث عن الاصوات صاحبة ( الوزن الصوتي ) الارجح التي تحقق له مبتغاه السياسي وفقا للديمقراطية النوعية التي ابتكرها وتحدث عنها الكاتب العراقي احمد رسن .

وهنا سيتم التوجه الى الناخب الاكاديمي وصاحب التحصيل الدراسي والعلمي ، وسيبتعد المرشح في طرحه لبرامجه الانتخابية عن الخطابات الرنانة التي لاتقدم ولا تؤخر سوى استدراج مشاعر ( الناخبين الكميين ) والحصول على استعطافهم ،او الاستعانة بالالقاب او المكانة الاجتماعية دون الخبرة والاختصاص.

كما سوف يقدم المرشح برنامجه بشكل دقيق على الناخب الاكاديمي ( النوعي ) ويضع الخطط والمقترحات امام اعين الناخب صاحب التمايز سعيا الى ان تنال هذه الخطط الواقعية مقبولية هذه الفئة ( النوعية ) فتمنح اصواتها للمرشح او الكيانالمعني .

وهنا قد يظهر توجس من وضع الثقة بالناخب الاكاديمي والمتعلم ( الناخب النوعي ) كما تنص الديمقراطية النوعية ، من احتمال ان تكون حالات التشويه القسري التي مرت على الدولة العراقية قد اثرت فيه وفي وعيه سلبا بصفته مواطنا عراقيا عاش وعايش الظروف الصعبة ،وهنا يكون الجواب ، ان ما يتوجس منه امر مستبعد وان وجد فهو اقل بكثير من وجوده في الشرائح الكمية ، وان الديمقراطية النوعية والتمايز الانتخابي ( الوزن الصوتي للناخب ) الذي تقوم عليه ، مهما كانت مخاطره فهو الاكثر امنا وامانا والاكثر مسؤولية والأدق في التشخيص والبحث عن الحلول، ومهما كان التوجس مقبولا ويؤخذ به الا ان اعطاء حق التمايز للنخبة من الشعب افضل من رهن مستقبل العراق على واقع معقد الى حد كبير ولدته سياسات التجهيل الطويلة والمكثفة وما نتج عنها من تباين في الوعي .

وهنا يؤكد الكاتب ، ان لا احد يفرط او ينتقص من حقوق الناخبين جميعا فالناخب الكمي يشارك في الانتخابات وفق ما يمنحه وزنه الصوتي كما يشارك الناخب النوعي وفق ما يمنحه اياه وزنه الصوتي وفق ما تنص عليه الديمقراطية النوعية في شمولها للجميع بحق الاشتراك السياسي الديمقراطي وفقا لمبدئيالمساواة والعدالة السياسية بين المواطنين.