1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كاظم حبيب:نصف قرن تحت سلطة عائلة الأسد

٢٥ مارس ٢٠١١
https://p.dw.com/p/RCer
سلطة عائلة الاسد في جمهورية البعث الموروثةصورة من: AP / DW

في تشرين الثاني 1970 قام حافظ الأسد بانقلابه العسكري ضد قيادة صلاح جديد ونوري الدين الأتاسي ويوسف زعين والقي بهم وبغيرهم في السجن لفترة زادت عن ربع قرن، رغم أنهم كانوا أكثر قرباً من نبض الشارع ممن جاء بعدهم بذريعة القيام بـ"حركة تصحيحية!". وفي مايو 1971 أصبح حافظ الأسد رئيساً للجمهورية إلى أن إستورثه ابنه الشاب طبيب العيون بشار الأسد في العام 2000. أي أن عائلة الأسد تحكم سوريا منذ ما يزيد على نصف قرن. وخلال هذه الفترة ضعفت دكتاتورية العائلة بانشقاق عائلة الأسد بين حافظ وأبنائه من جهة, وأخيه رفعت وأبنائه من جهة أخرى, حيث كان الأخ رفعت الأسد يدير عصابات سرايا الدفاع التي اعتبرت اليد الضاربة للحركات الشعبية في سوريا حين كان حافظ ورفعت مشاركين في الحكم ومتفقين على توزيع السلطة والمهمات.

لقد مارس حافظ الأسد سياسة تجسد سمات وخصائص الدكتاتوريات التي سادت الدول العربية حينذاك, سيادة الحزب الواحد, حزب البعث العربي الاشتراكي المعروف بشوفينيته وقسوته وعنفه، ولكن في الحقيقة كانت سيادة الفرد الواحد وحوله جمهرة من القطعان المؤيدة له والتي يمكن أن يطلق عليها بالطغمة الفاسدة والذليلة والتي كانت تشغل مناصب نواب رئيس الجمهورية ورؤساء وزارات ورؤساء مجلس النواب والوزراء وقادة الحزب والنواب في أغلبهم, بمن فيهم وزراء ونواب وقادة الأحزاب الأخرى التي كانت تشكل تحت أمرة الحزب القائد والرائد "الجبهة الوطنية والقومية التقدمية" في سوريا والتي أصبحت إمعة لما يريد الحزب الحاكم تنفيذه, وبتعبير أدق لما يريد القائد الحاكم حافظ الأسد تنفيذه في سوريا.

وفي فترة حكم الأب عانى المعارضون السياسيون بمختلف اتجاهاتهم من جبروت وقهر النظام والأمن السياسي المتحكم بشؤون المعارضة السياسية. فالسجون والمعتقلات السورية ضمت الكثير من المعارضين السياسيين الذين قضوا أكثر من ربع قرن في السجون السورية. ولم يكن غير عبد الحليم خدام, الذي تحدث مع وفد المنظمة العربية لحقوق الإنسان الذي زار سورياً راجياً ومطالباً بإطلاق سراح السجناء السياسيين الذين مضى على سجنهم أكثر من ربع قرن, إن رد على رئيس الوفد السيد محمد فائق بقول وقح: "ليفتخروا هؤلاء السجناء بكونهم قضوا ربع قرن في السجون السورية !".

لقد مارس حافظ الأسد كل أشكال العنف والقتل ضد القوى السياسية المعارضة, ونحن ما نزال نتذكر مجزرة حماة في العام 1982 "حيث قام النظام السوري بتطويق مدينة حماة وقصفها بالمدفعية ومن ثم اجتياحها عسكرياً، وارتكاب مجزرة مروعة كان ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين من أهالي حماة. وكان قائد تلك الحملة العقيد رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد. )راجع: ويكيبيديا الموسوعة الحرة 23/3/2011). إضافة إلى الكثير من الجرائم البشعة التي راح ضحيتها الألوف من المعارضين لنظام الأسد والإعدامات التي كانت تجري في السجون السورية وخاصة في سجن صيدنايا حيث يعترف وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس بأنه كان يوقع على إعدامات يومية كثيرة خلال فترة وجوده على رأس وزارة الدفاع، إضافة إلى مجزرة سجن صيدنايا التي راح ضحيتها الكثير من السجناء وأفراد العائلات التي اعتصمت وتظاهرت أمام مبنى السجن في تموز 2008 مطالبة بحماية أرواح السجناء بعد أن قتل الكثير منهم في أوائل تموز من العام نفسه.

وخلال فترة حكم الأسد الأب انتشرت بشك واسع مظاهر الفساد المالي والرشوة في دوائر الدولة وفي المطار وعلى الحدود، واتسعت البطالة واشتد الفقر لدى فئات واسعة من الشعب السوري في كل أنحاء الدولة السورية، وخاصة في أعقاب غزو لبنان والهيمنة عليها وتسخيرها لأغراض حزب البعث والدولة البعثية السورية وحافظ الأسد وأفراد عائلته وحاشيته وممارسة الإرهاب والنهب فيها.

وفي فترة حافظ الأسد أصبحت سوريا في الفترة الأولى رهينة المساعدات المالية السعودية, ثم تحولت في ما بعد لتصبح رهينة لدى إيران حتى الوقت الحاضر ولنفس السبب. وشكل كلا البلدين محوراً مناهضاً للديمقراطية وحقوق الإنسان ويمارسان تدخلاً فظاً في الشؤون الداخلية للدول المجاورة وبشكل خاص في لبنان وفلسطين والعراق.

وحين توفي الدكتاتور السوري حافظ الأسد، تقرر حتى قبل وفاته أن يأخذ الابن بشار، بعد أن مات الابن الأكبر, العقيد باسل الأسد، بحادث سيارة، رئاسة الجمهورية ويحول الجمهورية عملياً إلى "جمهركية" (جمهورية ملكية) على طريقة معاوية بن أبي سفيان حين أورث الحكم لابنه يزيد بن معاوية. وقد فُرض هذا الأمر فرضاً على الشعب السوري بانتخاب مزيف على طريقة انتخابات سوريا والعراق في فترة حكم صدام حسين. وإذ أخذ بشار الأسد عصا الرئاسة من أبيه، أوعد بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات التي لم تجد النور بل ازداد الأمر سوءاً، وكان الابن على سر أبيه. فلم يكتف النظام السوري تحت هيمنة بشار الأسد أن يواصل سياسة الاستبداد والقمع والقهر للإنسان السوري واستمرار فرض حالة الطوارئ منذ أكثر من 50 عاماً حتى الآن فحسب، بل عمق ووسع من ظاهرة الفساد المالي والإداري لتصبح النظام الرسمي المعمول به في سوريا عملياً, وتفاقمت البطالة واتسعت عدد العائلات التي تعاني من الفقر المدقع والحرمان, إضافة إلى ارتفاع متواصل في أسعار السلع والخدمات والسكن وتدهور قيمة الليرة السورية وانخفاض قيمتها الشرائية، واستمرار حملة الاعتقالات للمطالبين بالمجتمع المدني وحقوق الإنسان ودولة القانون وإلغاء حالة الطوارئ ومحاربة الفساد وتقديم الفاسدين إلى المحاكمة. وها نحن نعيش المطالبة بإسقاط النظام.

لقد وسع وعمق الأسد الابن من حالة الاستبداد والفساد في البلاد. وشدد من حملة اعتقال المطالبين بالمجتمع المدني والحريات العامة والحقوق الديمقراطية وحماية الكرامة. فانطلقت المظاهرات في دمشق وفي سوق الحميدية, واستطاعت أجهزة الأمن و"القوات الخاصة" التي هي مماثلة "للحرس القومي" العراقي الذي تشكل في العام 1963 لممارسة الأساليب الفاشية في القتل والتعذيب والتعامل مع الناس.

ثم انطلقت المظاهرات في درعا لتعم المدينة بكاملها وتتسع لتنتقل إلى القرى المحيطة بها وإلى مدن أخرى وهي في اتساع مستمر. لقد شيع أهالي درعا الضحية الأولى ثم تلتها ضحايا أخرى حيث سقط يوم أمس ثلاثة شهداء أبرار سيزيد من غضب الشعب السوري وسيدفع بهم إلى الشوارع لا في درعا وحوران وغيرها فحسب, بل وفي حلب وحماة ودمشق ومدن الجزيرة والقامشلي واللاذقية وغيرها. هكذا تمارس أجهزة الأمن السياسية في سوريا قمع المتظاهرين, ولكنها سوف لن تكون قادرة على مواصلة الإرهاب, فقوانين وقرارات مجلس الأمن الدولي تمنع قمع المتظاهرين بالقوة وتفرض على المؤسسة الدولية حماية المتظاهرين المسالمين المطالبين بحقوق الشعب. وحسب المعلومات الواردة فإن أجهزة الأمن والشرطة قامت باقتحام الجامع العمري وضرب وقتل الناس العزل والذين لا يحملون بأيدهم حتى الحجارة, بل يطالبون بحقوقهم سلمياً, حيث قتل خمسة أشخاص على الأقل والكثير من الجرحى والمعوقين وفق ما تناقلته الأخبار صبيحة هذا اليوم. واليوم فقد هيمنت الشرطة وأجهزة الأمن والقناصة على مدينة درعا وتوجه النيران لمن يتجرأ على الخروج من داره. ويبدو أن الفرقة الرابعة والقوات الخاصة هي التي تقوم بهذه العمليات الإجرامية ولم يشترك الجيش بهذه العمليات ضد سكان درعا. وأشار الدكتور هيثم مناع إلى إن ما يجري في درعا من جانب أجهزة القمع السورية هو جريمة ضد الإنسانية وفق ميثاق روما في العام 1998.

إن التضامن مع أهالي درعا والاحتجاج على النظام الشمولي في سوريا يتطلب من كل فئات الشعب وفي كل المدن للنضال من أجل الحريات العامة وضد الفساد والبطالة والتمييز بين المواطنين والشوفينية المناهضة للمواطنات والمواطنين الكُرد, وإطلاق سراح السجناء السياسيين وكافة معتقلي الرأي في سوريا.

كما نطالب الرأي العام العربي والعالمي والمجتمع الدولي إلى التضامن مع الشعب السوري لمنع وقوع مجازر جديدة ضد الشعب في سوريا.

نثق بأن الشعب السوري سينتصر على أعداء الحرية والمستبدين والفاسدين وسيعيد بناء الدولة السورية على أسس مدنية وديمقراطية حديثة وسيحاسب ويحاكم القتلة والمسؤولين عن إصدار قرارات وأوامر الاعتداء على المظاهرات السلمية في البلاد.