1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كتب الدكتور عبد الخالق حسين في قضية النائب العراقي مثال الآلوسي

١٦ سبتمبر ٢٠٠٨

رفع الحصانة عن الآلوسي انتصار لإيران

https://p.dw.com/p/FJJ9

رفع الحصانة عن الآلوسي انتصار لإيران

الدكتور عبد الخالق حسين

السيد مثال الآلوسي، هو رئيس حزب الأمة العراقية، والنائب الوحيد لحزبه في البرلمان، صوتت غالبية أعضاء البرلمان العراقي في جلسة عاصفة يوم 14/9/2008، برفع الحصانة البرلمانية عنه عقاباً له على زيارته الثانية لإسرائيل والتي قام بها حسب تصريحه للشرق الأوسط " تلبية لدعوة للمشاركة في المؤتمر العالمي الثامن لمكافحة الارهاب والذي شاركت فيه أكثر من 60 دولة بينها دول عربية وإسلامية، وبحضور أكثر من ألف شخصية من الباحثين والخبراء والإعلاميين والسياسيين، من مختلف أنحاء العالم».

والجدير بالذكر أن رفع الحصانة عن النائب الآلوسي وللسبب المذكور أعلاه، يشكل سابقة خطيرة للبرلمان العراقي في عراق ما بعد صدام، وظاهرة تكشف عن عمق الصراع العنيف الدائر بين أنصار الديمقراطية وأعدائها، وتؤكد أن الديمقراطية العراقية الناشئة، ورغم مرور خمس سنوات عليها، فهي مازالت في مراحلها الأولية. ولكن من الجانب الآخر حقق النائب مثال الآلوسي مكسباً لم يعرفه العراقيون من قبل، ألا وهو تضامن جميع الكتل البرلمانية بمختلف انتماءاتها الطائفية والعرقية، وفي تناغم فريد من نوعه، فتوحدت في جوقة واحدة عجيبة ضد النائب الآلوسي بغية رفع الحصانة عنه، وجعله كبش فداء. ورفع الحصانة عن النائب يترتب عليه تقديمه للقضاء، ومنعه حضور جلسات المجلس، ومنعه من السفر إلى خارج العراق.

إن هذه السابقة التي أقدم عليها النواب العراقيون ضد زميل لهم حفز معظم الكتاب والمعلقيين العراقيين إلى التأمل ومراجعة الذات وما يجري في العراق الجديد، فنشروا عشرات المقالات، وعلق مئات القراء على هذه مقالات في الشبكة التي وضعت فسحة للتعليق. والملاحظ أن جل هذه المقالات وتعليقات القراء، إن لم أقل كلها، من عراقيين وعرب، كانت متعاطفة مع النائب مثال الآلوسي، واعتبروه نموذجاً للنزاهة، وناقمة على النواب الذين صوتوا ضده واعتبروهم نموذجاً للنفاق والانتهازية. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك تحول كبير ليس في وعي وموقف الشارع العراقي من إسرائيل والعلاقة معها، بل وحتى الشارع العربي أيضاً. وهذا يعني أيضاً وكما علق أحد الأصدقاء، أن النائب الآلوسي أعتمد في زيارته إلى إسرائيل، على نبض الشارع العراقي، وأن معظم السياسيين العراقيين هم ليسوا في تماس مع الجماهير.

إن مشكلة النائب مثال الآلوسي أنه يتصف بالشجاعة والصراحة والنزاهة والإخلاص للوطنية العراقية، ويعلن عن آرائه بصراحة متناهية، ويكشف عن أعداء العراق الحقيقيين مثل إيران وسوريا والسعودية دون وجل، ويسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية دون لف أو دوران. وهذه الخصال بحد ذاتها تشكل خطراً كبيراً على أي إنسان في بلد غارق بالنفاق والانتهازية والإجرام والإرهاب مثل العراق، وخاصة إذا كان هذا الإنسان سياسياً من الوزن الثقيل مثل السيد الآلوسي، له خصوم كثيرون، يتربصون به في وطن تحرر تواً من أسوأ نظام همجي فاشي في التاريخ، والذي تحول إلى غابة مليئة بالوحوش الضارية السائبة، تفترس كل من حولها وخاصة الشرفاء.

نعتقد أن الضجة التي افتعلها نواب جميع الكتل في البرلمان ليس بسبب زيارة النائب الآلوسي إلى إسرائيل، لأنه زارها من قبل ودون أن تثير تلك الزيارة السابقة أية ضجة كبيرة عدا تبرئة حزب المؤتمر الوطني بقيادة الدكتور أحمد الجلبي منه، والذي كان الآلوسي أحد قادته، وإنما لأنه أكد مراراً في الزيارة الأخيرة على دور إيران التخريبي في دعم الإرهاب في العراق، مؤكداً بحق « أن ايران تشكل خطرا حقيقيا على العراق اكثر من اسرائيل، لا بل اسرائيل غير موجودة في محيط العراق وبالتالي هي لا تشكل خطرا أمنيا على العراق، بينما تشكل القاعدة والجهل وايران اكبر خطر على العراق». ولهذا السبب وحده ثارت ثائرة أنصار إيران في البرلمان العراقي واتخذوا من زيارة الآلوسي إلى إسرائيل ذريعة للإنتقام منه وإزاحته عن طريقهم، كما ووجد ممثلوا الكتل الإسلامية السنية والقومية وغيرها فرصتهم في إدانة الآلوسي، للمتاجرة بالقضية الفلسطينية، ولتغطية عجزهم وفشلهم في حل مشاكل العراق.

فرأس السيد الآلوسي كان مطلوباً لدى الجميع ومنذ زمن، لذا كان عليه أن يعرف هذه الحقيقة القاسية ويحترز منها. ولهذا السبب، ونقولها بأسى، إن قرار السيد الآلوسي بزيارة إسرائيل وبهذه العلنية وما أحيط بها من ضجة إعلامية، كان يفتقر إلى الحكمة والحيطة والحذر. فالنائب الآلوسي لو كان كاتباً سياسياً أو مسؤولاً لمنظمة غير سياسية وقام بزيارة إسرائيل، لهان الأمر، ولما أثار كل هذه الضجة، ولكن لكونه زعيماً لحزب ديمقراطي ليبرالي نزيه ونظيف، يعمل لصالح كل العراقيين، وفوق الإنقسامات الدينية والطائفية والعرقية، شعاره تأكيد النزعة الوطنية العراقية في بلد مزقته الصراعات الطائفية والعرقية، ويعرف مسبقاً أنه مستهدف من قبل أعداء العراق، وأعداء الوطنية العراقية والعلمانية والديمقراطية، والمنتفعين من هذه الانقسامات، وهو يمثل تطلعات الوطنيين الديمقراطيين، حيث كان رمزاً واعداً يعطيهم الأمل في أن يكون زعيماً يجمع شمل الرافضين للإنقسامات التي يئن منها العراق اليوم.

أقول، أن شخصاً بهذه الصفات، يحتل مثل هذا الموقع، كان المفروض به أن يعرف أن له أعداء شرسين يتربصون به الدوائر للإيقاع به، ويصفّونه سياسياً وجسدياً، فكان عليه أخذ الحيطة والحذر لحماية نفسه منهم، وأن لا يعطيهم فرصة، فيمدهم بالمزيد من الذخيرة ليستعملونها ضده. فالسياسي الحكيم يجب عليه أن يعمل وفق فن الممكن، ودون القفز على المراحل، لأن القفز قد يؤدي إلى السقوط. لقد أراد السيد الآلوسي أن يقيم علاقة مع إسرائيل لم يحن لها الوقت بعد بالنسبة للوضع العراقي الحالي. فما هو شبه مستحيل اليوم، يمكن أن يتحقق بمنتهى السهولة مستقبلاً، لأن كل شيء مرهون بالوقت المناسب. لذلك أعتقد أنه كان على النائب الآلوسي أن يوفر طاقاته وكل جهده للقضية العراقية وحدها دون تضييع وقته وجهده والمجازفة بسمتقبله كسياسي وبحياته في سبيل قضايا جانبية مثل مد العلاقة مع إسرائيل.

قال السيد الآلوسي أنه ذهب إلى إسرائيل لخدمة القضية العراقية حيث حضر مؤتمراً عالمياً لبحث مشكلة الإرهاب في المنطقة، وأن العراق يعاني من هذا الإرهاب أكثر من أي بلد في العالم. وهو على حق ونحن أيضاً نقول ذلك. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي حققه النائب الآلوسي للعراق بزيارته هذه لإسرائيل؟ الجواب، لا شيء عدا تقديمه فرصة ذهبية لأعدائه وأعداء العراق للانتقام منه.

والحقيقة لو كنت أعلم أنه كان يخطط للسفر إلى إسرائيل، لنصحته بتجنب ذلك إن كان يسمع لنصائح أمثالي، ولحذرته من المخاطر الجسيمة التي سيتعرض لها مقابل لا شيء، لا لأني ضد أية علاقة مع إسرائيل، فإسرائيل هي حقيقة معاشة في المنطقة، ولها علاقات ديبلوماسية واقتصادية مع معظم الدول العربية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعراق، وحتى بمجرد مصافحة مسؤول عراقي مع مسؤول إسرائيلي يلتقيان صدفة في محفل دولي، فهنا تتزلزل الأرض العربية وتنشق السماء ويعلو الصراخ بـ (وامعتصماه) مدعين أنها خيانة مسؤول عراقي للقضية العربية المركزية لا يمحيها إلا الدم!! وهذا هو النفاق العربي بامتياز، فهم يحرمون على العراق ما يحلوه لأنفسهم، والشعب العراقي وحده يجب أن يباد إلى آخره من أجل فلسطين، وعلى العراقيين أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، وفلسطينيين أكثر من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والرئيس الحالي محمود عباس، اللذان التقيا مع مسؤولين إسرائيليين على الدوام وعلى رؤوس الأشهاد وعلى مدى العقدين الماضيين ، ودون أن ينتقدهم أحد، بل أعتبروا هذه اللقاءات سياسة براغماتية صحيحة.

هناك تجربة قاسية مر بها النائب مثال الآلوسي كان عليه أن يستخلص الدرس منها. لقد تحدى السيد مثال الموقف المنافق للكثير من السياسيين العرب والعراقيين، وقام بزيارة لإسرائيل قبل ثلاث سنوات، وعند عودته دفع ثمناً باهضاً حيث تم اغتيال ولديه على يد وزير الثقافة السابق، أسعد الهاشمي، الذي يكشف تاريخه أنه تدرب وقاتل مع القاعدة وطالبان في أفغانستان، وفلت الآلوسي من الموت بأعجوبة.

نعم، أنا لست ضد إسرائيل، فهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تطبق الديمقراطية الحقيقية ويستطيع شعبها محاسبة حكامه، رغم الصراع الدائر بينها وبين العرب، لأني أعتقد أن معظم الكوارث التي تعرض لها الشعب الفلسطيني والعرب هي نتيجة رفض هؤلاء للحلول السلمية الممكنة، والتي قبلها الراحل أنور السادات فاسترجع كل أراضيه المحتلة دون أن يخسر قطرة دم واحدة. ولكن بالنسبة للسيد مثال الآلوسي ووضع العراق الخطير، والمتاجرة بالوطنية والعداء لإسرائيل من قبل الانتهازيين العربان والإسلامويين، كان عليه أن يتجنب هذه الزيارة. فكما علمت، أن كان هناك عدد من النواب كانت قلوبهم مع الآلوسي ورغبوا في الدفاع عنه ولكنهم امتنعوا خشية من تعريض أنفسهم لخطر الإرهاب، وابتزاز بلطجية السياسة.

لقد أراد السيد الآلوسي بزيارته لإسرائيل تحدي المحرمات والمسلمات، وتحقيق أمور كثيرة وبفترة زمنية قصيرة جداً في عراق مضطرب صار ساحة للإرهاب ولكل من هب ودب. لذا فبعمله هذا استهلك نفسه بسرعة، واعتقد أننا خسرنا شخصاً واعداً لأن يكون زعيماً سياسياً فذاً ومخلصاً للوطنيين العراقيين الديمقراطيين. لقد خسرناه بسبب عدم أخذه المخاطر التي تتربص به بنظر الاعتبار، فالتحدي الشديد للأعداء يأتي أحيناً بالكوارث.

لا شك إن رفع الحصانة عن النائب الآلوسي هو انتصار لأعداء العراق وبالأخص لإيران وسوريا. كما وأعتقد أن الذين يخططون لتقديم الآلوسي إلى المحاكمة وفق قانون صدر في العهد الصدامي ومازال سارياً، والذي يقضي بمنع الزيارة إلى إسرائيل، ومن يخالفه يعرض نفسه لعقوبة الإعدام. إلا إن خصوم النائب الآلوسي أوقعوا أنفسعهم في ورطة قانونية، لأن هذا القانون يمنع أيضاً كل عراقي من زيارة إلى إيران وأمريكا. ومعظم المسؤولين العراقيين الجدد قاموا بزيارة هذين البلدين أيضاً، فما ينطبق بحق من يزور إسرائيل من العراقيين يجب أن يتم تطبيقه على من يزور إيران وأمريكا أيضاً، وهذا ما يصر عليه السيد مثال الآلوسي وهو على حق.

السؤال الأخير هو: هل سينهض السيد الآلوسي من هذه الكبوة ويسلم من الحملة الظالمة ضده كسياسي بارز، وماهو مستقبله؟ إنطباعي عن السيد الآلوسي أنه مناضل عنيد وصلب، وعليه فربما سيخرج من هذه العاصفة منتصراً، وأصلب عوداً وأكثر حكمة، وبالتأكيد فقد كسب شعبية أوسع لدى الشعب العراقي وتعاطفه معه بسبب هذه الضجة المنافقة الظالمة ضده.

والنتيجة التي خرجت بها مما حصل للنائب الآلوسي، هو ما أكدته مراراً وتكراراً في مناسبات سابقة، أن الصراع المحتدم في العراق هو ليس صراعاً طائفياً بين السنة والشيعة كما يظهر على السطح، بل هو صراع عنيف بين أنصار الديمقراطية من جميع الأطياف، وأعداء الديمقراطية من جميع الأطياف أيضاً. لذلك توحَّدَ نواب جميع الكتل الطائفية والعرقية ضد نائب نظيف ونزيه يدعو إلى العلمانية الديمقراطية والوحدة الوطنية العراقية من أجل التخلص منه، ولكن هيهات لأنه في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح، وألف تحية إلى النائب النزيه والعراقي الأصيل السيد مثال الآلوسي.