1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مصر والجزائر: الخصومة تبدأ في العقليات

٥ أكتوبر ٢٠١٠

يبدأ في الجزائر قريبا معرض الكتاب السنوي وسط جدل حول المشاركة المصرية. وظاهريا لايبدو أن للجدل خلفية سياسية أو ثقافية وإنما كروية، فما الذي يحرك هذه الأزمة، سؤال يجيب عنه الباحث الليبي مصطفى فيتوري في التعليق التالي

https://p.dw.com/p/PVsn
صورة من: DW

في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي فاز المنتخب الجزائري لكرة القدم على نظيره المصري بهدف دون مقابل ليتأهل الأول إلي مونديال كأس العالم في جنوب أفريقيا الصيف الماضي، وتحول الفوز إلى وبال على العلاقة بين اثنين من أكبر البلدان العربية. ومهما يكن من أمر مشاركة الناشرين المصريين في المعرض الذي يفتتح في يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، فإن الغبار الذي أثاره الموضوع يستدعي التوقف عنده في محاولة لفهم دوافعه.

وما يلفت النظر هو انتقال شرارة الخلاف بسهولة من ملاعب كرة القدم إلي ميادين السياسة ومنها إلى ساحات الأدب والثقافة، بعد أن مرت بردهات استوديوهات الفن ومكاتب التحرير في الصحف والمجلات، وبدا وكأن قوة خفية تقف ورائها لتذكيها، وإن كان لنا أن نقبل بنظرية المؤامرة (والتي يجيد العرب توظيفها) لأمكن القول أن هنالك مؤامرة على العلاقة بين القاهرة و الجزائر، ولم تكن نتيجة المباراة إلا احدى أدواتها، إلا أن هذا القول يبدو فجا وغير مقنع. كون الأمر أكبر من ذلك ويمس الثقافة والأدب والعقل.

مثقفون أم موظفو سلطة؟

Mustafa Fetouri , Schriftsteller
الكاتب مصطفى فيتوري حائز على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة لعام 2010صورة من: Mustafa Fetouri

لنعرج قليلا على ما جرى بعد ذلك: فالمونديال الذي من أجله نشبت الأزمة تم تنظيمه في جنوب إفريقيا، وخسرت هولندا الكأس لصالح أسبانيا- تماما كما تنبأ الإخطبوط بول- ومع هذا لم نسمع أن هولندا قاطعت أسبانيا ولا الإسبان قاطعوا الهولنديين في معرض أو على خشبة مسرح، كما إن أي منهما لم يوظف أعلامه لشتم الآخر أو للتشفي به. فلماذا يحدث هذا في العالم العربي؟

للسؤال إجابات عدة إلا أنني أعتقد أن أهمها يكمن في الشخصية العربية والفكر العربي الذي يشترك فيه المثقف مع المواطن البسيط: فالمواطن العربي يميل إلي التحرك وفق عاطفته وبعيدا عن العقلانية في تناول شؤونه الحياتية، مما يجعله قابلا لتأثير الأدوات الإعلامية متى أحسنت استغلال الفرصة، وهذا ما حدث بالفعل.

وإذا ما أضفنا إلي ذلك حقيقة أن النظم السياسية العربية في مجملها فاشلة في معالجة إشكاليات جوهرية تواجه مجتمعاتها، ولتغطية هذا الفشل فهي توظف الأحداث التي تلهب مشاعر الجماهير من البسطاء، من أجل تحويلها إلى ملهاة ينصب عليها غضب الجموع نتيجة كوامن الإحباط المتعددة.

وهي في فعلها ذاك تستخدم أكبر قدر من أدوات التأثير، لإحداث أقصى أثر، ولا يكون الأمر في أحيان كثيرة سياسة مبرمجة وإنما مزايدة من قبل "أعوان" الدولة المنتظمين في هيئاتها أو تلك المحسوبة عليها كالمثقفين والكتاب، وهذا هو تحديدا مكمن الجدل الذي ثار لأن المعنيين بمعرض الكتاب العتيد في الجزائر رأوا أن إثارة الزوبعة ربما يجلب مكرمة أو يؤكد ولاءًا أو يخدم هدفا. وهو ما يفسر في المقابل معارضة عدد كبير من الكتاب والأدباء الجزائريين فكرة منع المشاركة المصرية إيمانا منهم بأن الثقافة والفكر يجب ألا تكون ساحة حرب بسبب توافه الأمور.

جذور الخصومة المصرية الجزائرية

وإذا ما أضفنا إلى ما سبق ذكره، ندرة استخدام المنهج العلمي في الفكر العربي وكونه لا يقيس الأمور علميا، وإنما تحكمه رؤية تراثية في أحسن الأحول أو آنية عاطفية في أسوئها، تكونت لدينا شبكة رهيبة من العلاقات التي تجعل المثقف (وهو المفترض به أن يكون أحد قادة الرأي والقادرين على تشكيله) ما هو إلا كاتب انتهازي للسلطان مستعد لتبرير فعل السلطة، متى لاحت أمامه فرصة لتحقيق مكسب ذاتي، وهذا هو المسخ الحقيقي لدور المثقف في المجتمع الذي يفترض به أن يكون مثيرا للأسئلة و محرضا على الوعي الحقيقي وليس الزيف السياسي الآني و المؤقت المفعول و المردود.

وينطبق هذا القول أيضا على الفنان و الممثل (وهما من المثقفين أيضا) ولهذا رأينا اصطفاف عدد من كبار الممثلين المصرين وأكثرهم شعبية على المستوى العربي إلي جانب الغوغاء التي تجرم الفوز الجزائري بٌعيد المباراة العتيدة مباشرة وتعتبر هزيمة المنتحب المصري تعديا على مصر الشعب والدولة وينطبق ذات القول طبعا على الجانب الآخر!

إن ما قد يحدث في معرض الكتاب الجزائري حول مشاركة مصر أو غيابها لن يكون النهاية لهذا الشرخ في العلاقات بين الدولتين، لأن ما جرى تحول إلى لغم قابل للانفجار مستقبلا في أول مطب يهز تلك العلاقات، لأن الثقافة والعقلية التي أنتجت هذا اللغم لازالت موجودة ولأن جذورها متصلة بنظم التعليم والسياسة ومتأصلة بين أفراد المجتمع في تكوينات إقليمية هزيلة تٌسمى دولا وهي في الواقع مكاتب وتكيات(جمع تكية) لأنظمة سياسية فاقدة للشرعية ولا تمت لبنيان الدولة الحديثة أو العصرية بأية صلة. ولنا أمثلة عديدة على هذا المنوال بين مختلف الدول العربية.

إلا أن المحزن هو انخراط الكتاب والمثقفين (أو ممن يدعون هذا أو ذاك) في هذه الجوقة مما يٌغيب دور المثقف، ومن تم يحرف دوره ليصبح داعما للجهل و معززا لهيمنة السلطة ومنافقا لها في أحسن الأحول لكسب ميزة أو نيل حسنة، مما يضاعف الجهل ويجعل أي نقاش للقضايا الجادة هو كالصياح في الصحراء لا صدى له ولا مجيب!

إن انسداد الأفق السياسي في المجتمع وغياب دور النخبة المثقفة - التي أما مدجنة أو مبعدة عن أي حوار جاد- يجعل أفراد المجتمع أدوات لدى النظام، وليسوا مواطنين في دولة لهم حقوق مصانة وعليهم واجبات مقدسة، مما يحولهم إلي رهائن للحكومة التي تسعى دائما لإبعادهم عن التفكير وتدبر المشاكل الكبرى في حياتهم، مثل تدنى مستوى معيشتهم وانعدام الحرية وعجزهم عن تغيير أوضاعهم الاجتماعية.

وتكمن خطورة هذا الوضع في الدفع بالملايين من بسطاء الناس للهروب إلي الغيبيات و ظاهر الأشياء مما يفسح المجال واسعا أمام تفشي الشعوذة والثقة بالدجالين مما يجعلهم صيدا سهلا لمختلف أوجه التطرف الديني أو السياسي أو الاجتماعي، ويا للآسف بتبرير من بعض المثقفين!

مصطفى فيتوري رئيس قسم إدارة الأعمال في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا / طرابلس

مراجعة: منصف السليمي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد