1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

نزار السامرائي: لا يريده أحد

٢٦ أغسطس ٢٠١٠
https://p.dw.com/p/Ox1J

من يراقب المالكي هذه الأيام ، حتى ولو على كراهة ، سيحمل له الكثير من الإشفاق عليه حتى لو كان المالكي قد قتل ابنه أو أباه ، فهو في حالة نفسية صعبة جدا لا يستبعد معها أن يقدم على أي منكر ، إذا لم يضمن لنفسه العودة لموقع السلطة والتحكم بالمال العام وحركة القوات المسلحة ، وإذا نظرنا إلى الأمر بعيدا عن استحقاقه لهذا المنصب من عدمه ومدى قدرته على ملئ الكرسي الذي سيجلس عليه ( وربما سيضطر إلى تغيير القديم بواحد أصغر منه لأنه عانى من سباحته في فضاء الكرسي القديم ) أو بأهليته ليكون في هذا الموقع الكبير ، فإننا سنراه محقا تماما في أن يعض على هذا الطموح بنواجذه بفك وعضلات قويين ، فالرجل ذاق حلاوة المنصب وما يجلبه من وجاهة لا ترتبط بالمؤهلات أو بالمنزلة الاجتماعية ، فمن المعروف أن هناك مجموعة المنتفعين التي تركب أي قطار جنيا للمنافع والمكاسب السريعة وليس حبا بوجهة القطار ولا يقينا أنه متجه إلى هدف محدد ولا إيمانا بربان قادر على تأمين سفر مريح ، وربما يمثل هؤلاء الكارثة الكبرى التي تزين للحاكم أي حاكم أنه وحده القادر على أن يأتي بما عجز عنه الأولون ، وأن الحق يسر معه حيثما سار وأن العراقيين لا يطيقون النوم ما لم تكتحل عيونهم برؤية طلعته البهية .

يضاف إلى أسباب التمسك بالمنصب القلق من المجهول وما يحمله له الغد من أحمال وأثقال فات وقت ظهره على حملها ، ولأنه ظن في غفلة من زمن العراق أنه مخلد في منصبه لا ينازعه أحد فيه ، ولأنه ظن أن سفن الحظ السعيد ألقت مراسيها على أرصفة مينائه وثوت عليها ، فقد ركن جانبا القوانين التي أصدرها بنفسه ومنح نفسه فسحة ليتربع فوق القانون ، فتراوحت مخاوفه في مسؤوليته المباشرة ما بين الدم الذي خلفته العمليات العسكرية التي شنتها المليشيات وأجهزة الجيش والأمن الداخلي في الأعوام 2006 و 2007 و2008 وذهب ضحيتها حوالي مليون ونصف مليون عراقي ، وكذلك قضايا التصرف بالمال العام وتمرير عقود فرطت بمصالح العراق وتحول الكثيرون في غضون سنتين أو أقل من ذلك من شحاذين على الأرصفة المعتمة والزوايا والتكايا إلى حيتان فاحشة الثراء وفضحت العراق في عمليات تهريب الملايين من العملة الخضراء ، وكذلك قضايا التعذيب المنهجي في سجون الحكومة وبشكل خاص ما هو مرتبط برئيس الوزراء بصورة مباشرة أو تابع لحزب الدعوة أو تابع لقوات عمليات بغداد المرتبطة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة ، والاعتقالات المتواصلة في أكثر من 80 سجنا سريا وعلنيا لو كان ثلاثة منها قبل الاحتلال وما يسود فيها من فنون التعذيب لأقامت الولايات المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش الدنيا وأقعدتها احتجاجا على ما تتعرض له حقوق الإنسان من انتهاكات ، بيد أن موضوعة حقوق الإنسان تسيست كما تسيس القضاء الدولي وقرارات مجلس الأمن ، هذه الملفات تثير قلقا مشروعا لدى كل واحد من المقربين من المالكي ممن يعرف مساحة دوره وعمقه فيها ، ولما كان المالكي قد ظن قبيل الانتخابات أن قادر على اجتياح صناديق الاقتراع فقد استنكف أن يمد يده لحلفاء الأمس الذين جاءوا به لرئاسة الحكومة على الرغم من أن حزبه كان يمتلك 17 عشر مقعدا في برلمان عام 2005 ، مورست عليه ضغوط من أكثر من طرف البعض كان يعتقد أن كلمته لن تضيع بين أدراج مكتب المالكي ، ولكن جاءت النتائج مخيبة للآمال وصادمة للمشاعر ، جرب كل ما تحت يديه من أدوات لتغيير النتائج ولكنه عندما أخفق ، حاول العودة إلى بيت الطاعة في دهاليز الائتلاف العراقي الموحد الذي تم تشييع جنازته مع انفراد المالكي بسلطة القرار السياسي وإقصائه لشركائه المقربين عن عملية صنع القرار ، والانفراد باتخاذ أخطر القرارات في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية ، فكان لا بد أن يخذله أقرب حلفائه ، ويبدو أن حجم الصدمة ما يزال ثقيلا وعصيا على التحمل ، فاستل سيف إرهاب الدولة .

حاول إعادة الحياة إلى حلفه القديم مع أطراف الائتلاف الموحد ، على الرغم من أنه يعرف أن فرصته بكسب رضاهم على رئاسة ثانية ، أصعب بكثير من كسب رضا أطراف محسوبة على الصف المعادي له ، لأن حلفاءه جربوه عن قرب وعرفوا غاطس همته وهمه ونواياه ، وهنا يجب أن نتساءل عن أسباب عقد اتفاق التحالف الوطني ، في البداية سيبرز الدور الإيراني الذي لا يريد خروج الحكومة عن أقرب حلفاء إيران وكلمة حلفاء لا بد أن تترك تساؤلات جدية عما إذا كانوا حلفاء لإيران أم يجب أن يطلق عليهم وصف آخر ؟ ولهذا ضغطت طهران عن طريق سفيرها السابق ومسؤول الملف العراقي في حرس الثورة الإيراني باتجاه إعلان التحالف دون إبطاء ولكن الذين كان ينتظر منهم التحرك بآلية عمياء للإملاءات السابقة تحصنوا وراء متاريس السلطة وأدواتها وأصبحت لهم طموحات تسمح بعض الأحيان لبيادق الشطرنج أن تطلق النار على اللاعبين ، أما المالكي نفسه فلم يفكر بشيء غير الاحتفاظ برئاسة الحكومة أو منعها من الخروج من سيطرته وكان على استعداد للمراهنة على هذا الموقف حتى النهاية ، ومن كان يقول له إنك تفرط بالمكاسب التي تحققت للطائفة ، كان جوابه يتكرر باستمرار بأنه أقدر واحد في الجوقة كلها على الحفاظ عليها دون الإعلان عن ذلك إذ لا يشترط بمن يدافع عن قضية أن يفعل ذلك جهارا وبشعارات صاخبة ويحشد حوله الأعداء كما فعلت المليشيات وما تزال تواصل جهدها ، أما الائتلاف الوطني فيحمل على المالكي ضغينة الكشف عن رصيده الحقيقي على مستوى الشارع الذي ظن أنه محسوم له دون منازع وتصرف على ذلك الأساس بكثير من الوصاية على الآخرين وأراد أن يكون عرابهم في الفرض والرفض ، واستجدت ضغائن أخرى حينما تعامل المالكي مع مرشحيه لرئاسة الحكومة باستخفاف وزنهم ورفض التنازل لهم عما يعتبره حقا انتزعه بقوة تنظيمه وكفاءته الشخصية ، ولهذا انساق الائتلاف المذكور باحثا عن فرصة يستلها من بين الفرص الضائعة عساها تحمل ممثله إلى كرسي الرئاسة بعد أن ملت من موقع بروتوكولي لا يرضي طموحا ولا يشبع نهما للسلطة ولا يوفر مظلة للسطو على بيوت المال والبنوك ، بعد أن جفت منابع التمويل ووصلت حدودها الدنيا على الرغم من الشعار المرفوع بتبني مبدأ ولاية الفقيه ، أراد الائتلاف إرسال رسالة لكل من عنده الوقت للسماع أو القراءة ، أنه ما يزال يحتفظ بدوره كحارس للملة ومدافع عن حقوقها ، وكي يقطع الطريق على كل من تعن له فكرة الحلم بالسطو على الرئاسة بأن الحلف الجديد القديم قادر على إفشال الطموح وإنهاء الحلم ، من أجل هذا ضحى الائتلافيون بمصالحهم من أجل الملة وتحالفوا مع صديقهم اللدود الذي تحول إلى حوت ابتلع حيتان الملة بعد أن أفشلتهم شعارات إقليم الوسط والجنوب والولي الفقيه .

وما تزال الأزمة تدور في مكانها بعد أن ضاقت دواليبها بمستنقع الوحل المحلي ودوامة القلق الأمريكي من ترك بلد بوزن العراق ، قدمت الولايات المتحدة من أجل الحصول عليه تضحيات أخرجت نصف القوة القتالية من الجيش الأمريكي من الخدمة وأوشكت أن تعصف بأكبر اقتصاد في العالم ، فلا الضغوط الخارجية قادرة على إقناع طامع بالسلطة بأن يتنازل قليلا ، ولا نتائج الانتخابات قادرة على إنزاله من بغلة العناد المستند على أجهزة مدججة بالسلاح تحتفظ بالولاء لمن كان قادرا على الاحتفاظ بالسلطة وأدواتها ، وهي أول من ينقلب عليه حينما تجد أن السباحة ضد التيار مكلفة جدا ، ودروس العراق حافلة بالعبر لمن كان على استعداد للتزود بتجاربها الثمينة .