1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

يوسف ابو الفوز:الشخصية العراقية في الدراما الامريكية ... مسلسل الضياع نموذجاً

٢ سبتمبر ٢٠١٠
https://p.dw.com/p/P2Nj

في مجلة "رسالة العراق" الشهرية ، التي كانت تصدر في لندن ، قبل سقوط النظام الديكتاتوري ، وفي العدد 35 تشرين الثاني 1997 ، كتبت ساخرا ، بأني مكتشف "مكرمة" مجهولة من مكرمات الديكتاتور العراقي صدام حسين، الا وهي دخول العراقيين مادة في السينما الغربية ، بحيث صرنا نسمع هناك كلمات عراقية كنا نعتقدها حكرا على شعب "الشكو ماكو" ! لكن الامر بات يتعدى السخرية بكثير، أذ صار واقعا يترسخ ويتوضح يوما بعد اخر ، فقد راحت تتسع هذه الموضوعة كميا ، لتكون الشخصية العراقية ، واحداث العراق عموما ، طرفا بارزا في أحداث وثيمات الدراما الغربية ، سينما وتلفزيون ، خصوصا الامريكية ، وتتسع مساحتها وتتغير نوعيتها ارتباطا بالكادر الفني للعمل ، بدءاً بكاتب النص ومرورا بالمنتج وصولا الى المخرج ، وان جدية وسطحية التناول هنا ترتبط بالموقف الفكري لفريق العمل من القضايا المطروحة والتي يحملها العمل الفني .

هكذا شاهدنا في العقدين الاخيرين اعمال درامية امريكية حاولت ان تنصف شيئا مما يتعلق بالعراق وشخصية العراقي ، وعموما شخصية الانسان العربي والمسلم، وهذا الامر لم يأت بشكل مفاجيء بقرار سياسي من جهة ما عليا ، وأنما تطلب سنينا طويلة ليترسخ ويتوضح ارتباطا بمتغيرات العوامل السياسية والاجتماعية والفكرية ، وأساسا التطورات والتغيرات في هوليود ذاتها ، فرأسمال الإسرائيلي والفكر اليميني والعنصري ظل لفترة طويلة ، وبحماية من مؤسسات الدولة وبدعم سياسي رسمي وشبه رسمي ، مسيطرا على ما ينتج ويخرج من ستوديوهات هوليود الى شاشات العالم، وبالتالي ولسنوات طويلة ظلت الدراما الامريكية تتعامل مع الشرق عموما، والعراق بشكل خاص ، من خلال اجواء الف ليلة وليلة والاساطير البابلية والسومرية ، وتقدم عنه صورة نمطية تتسم بالتخلف والجهل والشر، وفي البال افلام مثل "حرامي بغداد"، ابتداءا من نسخة المخرج الامريكي "راؤول والش" (1887ـ 1980) ، المعروف باخراجه افلام لصالح اسرائيل !! ، واخرج نسخته من " لص بغداد " عام 1924 ، وما تبع ذلك من نسخ اخرى لمخرجين اخرين سواء للتلفزيون او للسينما ، وفيلم "التعويذة" لوليم فرايدكن (مواليد 1935) اخرجه عام 1973 ، ويذكر ان مشاهدا من هذا الفيلم صورت في مدينة الحضر الاثارية التي تبعد حوالي 70 كم جنوب غرب مدينة الموصل ، هذا اذا لم ننس الصورة الكاريكاتيرية للعربي وحريمه وجماله ـ بكسر الجيم ـ واموال النفط وليالي السلاطين والامراء الباذخة التهتك ، وفي البال ايضا تلك الاعلانات المعروفة في اسفافها عن العرب والمسلمين والعراقي من ضمنهم بالطبع .

في العقود الاخيرة ، وفي هووليود وعموم ستوديوهات الغرب ، كُسر ـ بضم الكاف ـ احتكار الانتاج من قبل الشركات التقليدية المعروفة ، الخاضعة للفكر الصهيوني او الفكر اليميني والاستعماري ، الرسمي وشبه الرسمي ، الذي يستهين بشعوب ما عرف بالعالم الثالث ، وظهر منتجون مستقلون ، وأسس العديد من المخرجين شركات انتاج فنية خاصة بهم ، وانتجوا افلاما نجحت تجاريا ، وصاروا يتحكمون بالمواضيع الفكرية التي يتناولونها ، واختيار فريق العمل الذي ينسجمون معه ، وبدأت الافكار الليبرالية والموضوعية تتسلل الى الدراما الامريكية . صارت العديد من الاعمال الفنية تتعامل مع الاوضاع العالمية بروح مختلفة ، يسودها البحث الموضوعي المحايد في الاحداث السياسية والتأريخية ، وبدأ تناول موضوعات مثل الاسلام والعرب يتم من زوايا فيها انصاف كبير بعيدا عن الصورة النمطية والموقف المتشدد والمنحاز مسبقا ضد الاسلام والعرب ، وبرزت روح السعي للتحلي بالموضوعية ، وفهم الصراعات بعيدا عن منطق الوصفات الجاهزة التي ترسخت عميقا في ذهنية الثقافة الغربية التي اتسمت بالاستعلاء على الشعوب خلال فترات الاستعمار ونهب خيرات الشعوب ، والمرتبطة بالموقف الرسمي الحكومي او موقف المؤسسات الرأسمالية . وبالرغم من احداث 11 أيلول/ سبتمبر في 2001 ، التي وعند قطاع معين من العاملين في وسائل الاعلام والاوساط السياسية والدراما ربطت بشكل مباشر ما بين الارهاب والاسلام، وارتباطا بذلك وعلى اساسها تم أنتاج افلام ، نجح بعضها تجاريا ، حاولت مواصلة تكريس صورة المسلم الشرير والاساءة الى نضالات الشعوب ، خصوصا القضية الفلسطينية ، والتي سادت في العديد من افلام ما قبل احداث 11 سبتمبر ، امثال فلم "اكاذيب حقيقية " 1995 من اخراج الشهير جيمس كاميرون، الذي اساء في فلمه هذا كثيرا للقضية الفلسطينية . وظهرت بعد احداث سبتمبر افلام اخرى مشابهة مثل فيلم "قمة كل المخاوف" اخراج فيل ادلن روبنسن 2002 ، وفيلم "تاجر الحجارة" عام 2006 للمخرج الايطالي رينزو مارتينيللي وأنتاج امريكي ، وغيرها من الافلام ، الا انه وكما اسلفنا فأن هناك فهما اخر بدأ يظهر ويتعزز ويربط الارهاب بالتطرف الديني ويحاول ان يقدم صورة معقولة للاسلام والمسلمين ، وبدأت شخصية المسلم تلعب دورا محوريا أيجابيا في العديد من الاعمال الدرامية . هكذا ظهر مخرجون بارزون ومبدعون حاولوا تقديم صورة موضوعية ومغايرة لتلك النظرة التبسيطية او المسبقة والمعمولة بنوايا غير حسنة ، ويقدمون اراءا تتعارض واراء المؤسسات الرسمية والحكومية ، في تفسيرها للاحداث وفقا لمصلحتها وسياستها الخاصة ، فرأينا المخرج المبدع رادلي سكوت في "مملكة الجنة" 2005 يقدم تصورا جديدا للحروب الصليبية ولشخصية صلاح الدين الايوبي، وفي "بابل" 2006 من اخراج المكسيكي أليخاندرو غونزاليث إيناريتو، وانتاج امريكي ، شاهدنا الشاب المغربي المسلم الذي يتحلى بالشهامة والشجاعة وحسن التدبير، وتكررت الصورة الايجابية للعرب والمسلمين في افلام مثل "سيريانا" أخراج ستيفن غاغن 2005 ، "المملكة" بيتر بيرغ 2007، "كتلة أكاذيب" رادلي سكوت 2009 ، وكان سبق ذلك افلام مثل "روبن هود امير اللصوص" كيفن راينولدز 1991، و"المحارب الثالث عشر" جون ميكتيرنان 1999 وغيرها من الافلام .

في متابعة للانتاج الدرامي الامريكي ، سينما وتلفزيون ، نجد ان موضوعات مثل غزو الكويت من قبل النظام الديكتاتوري المقبور في العراق وعملية عاصفة الصحراء وما رافقها من احداث عام 1991، ومن ثم غزو واحتلال العراق من قبل جيوش الولايات المتحدة الامريكية عام 2003 وما تبعها ، صارت في السنوات الاخيرة الموضوع الاساس والمشاع في الدراما الامريكية ، فالكثير من الاعمال الدرامية ، تجد فيها ثمة شخصية امريكية عملت في الكويت او في العراق ، وتركت هذه التجربة تأثيرا ما على الشخصية او أن ثمة حدث له علاقة بوجود الشخص في العراق ويكون عاملا مؤثرا على سير الاحداث وتطورها ، رأينا ذلك في العديد من حلقات المسلسل الشهير "مواقع تحقيق الجرائم " ـ المعروف برمزه بالانكليزية CSI ـ من انتاج إنتاج شبكة سي بي إس ، بمواسمه المتوالية ونسخه المختلفة ، واجزاءه المتعددة وبتنوع كتابه ومخرجيه ، والذي بدأ عرض موسمه الاول عام 2002 ولا يزال مستمرا لحد الان في العديد من دول العالم ، ويلاقي النجاح المستمر ، ففي العديد من حلقاته ، نجد ثمة من سبق له وخدم في الجيش الامريكي في العراق او عمل هناك ، ويكون لهذا الامر علاقة بتطورات حياته والاسباب التي ادت الى مقتله او اشتراكه في جريمة قتل ، ومن خلال ذلك تتم الاشارة الى الاوضاع في العراق . أما في في السينما فيتكرر الامر بشكل اكثر وضوحا ، ففي فيلم " في الوادي المقدس" ، المأخوذ عنوانه من أيات الانجيل ، حيث الاشارة الى المعركة بين الملك داوود والعملاق غولياث ، وهو من اخراج باول هاكيز 2007 ، وتمثيل الممثلة سوزانا ساراندون، المعروفة بميولها اليسارية والمناوءة لغزو العراق ، والممثل تومي لي جونز الذي رشح عن هذا الدور لجائزة الاوسكار ، وفيه يتم يتناول قصة اختفاء وأكتشاف مقتل جندي عائد من العراق ، وخلال التحقيق يكتشف الاب المحارب القديم ، ان ابنه لم يكن بطلا خلال خدمته العسكرية في العراق ، وانه قد ارتكب هناك العديد من التجاوزات بحق المدنيين ، وان زملائه الجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثله بتأثير الحرب في العراق، قتلوا ابنه اثر مشاجرة تافهة بل وقطعوا جثته وحاولوا احراقها لاخفاء جريمتهم. أما في فيلم "مرشّح منشوريان" اخراج جوناثان ديمي 2004 ، حيث مجموعة من الضباط سبق لهم وشاركوا في عمليات "عاصفة الصحراء" حيث تم طرد جيش صدام حسين من الكويت ، يتعرضون الى عملية غسل دماغ من قبل مؤسسة سياسية تأمرية تحاول الوصول الى البيت الابيض من خلال ترشيح احدهم لرئاسة الجمهورية . وهكذا ، في اعمال درامية عديدة ، ومن خلال تداعيات الشخصيات نجد ثمة موقفا من الاوضاع في العراق والسياسة الامريكية ، هذا اذا لم تكن الاحداث تدور مباشرة في العراق كما وجدنا في الفيلم " ثلاثة ملوك" اخراج ديفيد روسيل 1999 ، والذي تدور احداثه خلال انتفاضة اذار 1991، حيث يقدم مجموعة من جنود الجيش الامريكي يبحثون عن كنز من الذهب الكويتي سرقه نظام صدام حسين خلال غزو الكويت ، ويقدمون عونا لمجموعة من العراقيين للعبور الى ايران ، ويعد هذا الفلم فاتحة للافلام الامريكية التي حاولت ان تنصف الشعب العراقي بشكل ما .

في العديد من هذه الاعمال الدرامية الامريكية ، صرنا نسمع كلاما باللهجة العراقية او مقاربا ، ففي السابق كانت الادوار تسند الى ممثلين عرب لا يجيدون اللهجة العراقية ، او يلقن الممثل الاجنبي حواره باللهجة العراقية من قبل ملقن مصري او لبناني، فيبدو الحوار كاريكاتيريا حتى وان كان المشهد تراجيديا ، وفي السنوات الاخيرة ، صرنا نلاحظ ان هناك فرقا ملحوظا في التعامل مع موضوع اللهجة العراقية ، فبدأت بعض شركات الانتاج تستعين بكومبارس من اصول عربية أومن العراق ، ففي " ثلاثة ملوك" ساهم في الفيلم ككومبارس مجموعة كبيرة من اللاجئين العراقيين المقيمين في امريكا ، وكان لبعضهم ادورا صغيرة ، مثل الفنان العراقي قائد النعماني ، وفي "المنطقة الخضراء " 2010 كان هناك مجموعة ليست قليلة من الممثلين العراقيين والعرب لاداء ادوار مختلفة ، ومن بين الافلام الاجنبية يكاد يكون هذا الفلم الافضل الذي قدم اللهجة العراقية بشكل واقعي وقريب ، فالاستعانة بممثلين من اصل فلسطيني او لبناني ، وهو الغالب في السينما الغربية والامريكية ، لا يقدم صورة واقعية ، فاللهجة العراقية تتميز كثيرا عن غيرها من اللهجات في البلاد العربية .

وعن مواقع الاحداث والتصوير ، بدأ الكثير من المخرجين الابتعاد عن الاستوديوهات التي تقدم الحارات والبيوت العربية والعراقية بشكل كاريكاتيري ونمطي ، ولا تمت الى الواقع بالكثير من الصلة وتبدو في بعض الاحيان معتمدة في تصميها على تصميمات هجينة مستمدة من رسومات اوربية عن الشرق فتفقد الاحداث البعض من مصداقيتها ، وفي السنوات الاخيرة صارت الكثير من الافلام الغربية تصور في بيئة مشابهة وقريبة للعراق مثل التصوير في اسبانيا او الاردن او دول الخليج ، ففيلم " المنطقة الخضراء " صور في المغرب واسبانيا ، وفيه حاول مخرجه " باول كرينكراس " انتقاد وبشكل واضح بدون تورية المبرر الذي قدمته الحكومة اليمينية الامريكية لغزو العراق بوجود اسلحة الدمار الشامل وعرض شخصيات عراقية تدين النظام الديكتاتوري وجنرالاته ، بل وان الضابط الامريكي ، ادى دوره الممثل الطموح "مات ديمون" ، يتفهم افكار الشاب العراقي المعوق في حروب صدام والذي في اخر الفيلم يقتل الجنرال من جيش صدام ، بينما يقدم الضابط الامريكي نسخة من تقريره الى الصحافة لفضح الادعاءات حول وجود اسلحة الدمار الشامل ، وايضا هناك فيلم "خزانة الالم " اخراج كاثرين بيجلو، الذي فاز بعدد من الجوائز العالمية وشهادات التقدير، وأبرزها وربما أهمها حصول مخرجته على جائزة الاوسكار لعام 2010 كأفضل مخرجة لتكون أول امرأة تحصل عليها منذ تأسيسها ، وتناول قصة عدد من خبراء المتفجرات العاملين في العراق ، وتم تصويره في الاردن .

* نشرت في المدى البغدادية العدد (1897) 2/09/2010