1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أئمة "من صُنع ألمانيا" .. فما أهداف وتحديات البرنامج؟

كريستوف شتراك
٢٠ يناير ٢٠٢٤

نقاشات بعد إعلان ألمانيا التوقف عن إستقدام أئمة من تركيا، وبدلا من ذلك تكوين أئمة على أراضيها. أول دفعة من الأئمة الذين تم تكوينهم بألمانيا تخرجت بالفعل من الكلية الإسلامية في أوسنابروك. فما أهداف وتحديات هذا البرنامج؟

https://p.dw.com/p/4bSBG
تشير تقديرات إلى وجود أكثر من 3000 مسجد ودار للصلاة في ألمانيا.
تشير تقديرات إلى وجود أكثر من 3000 مسجد ودار للصلاة في ألمانيا، وسيتم تكوين زهاء 100 إمام في ألمانيا كل عام. صورة من: Christoph Reichwein/dpa/picture alliance

الآن و بشكل رسمي تم تعيين عثمان سوير "مندوبا دينيا"، كما صرح  في بداية حديثه لـ DW. قبل ذلك بدقائق قليلة صعد سوير من الطابق السفلي في مسجد شهيتليك (جامع الشهادة) في حي نويكولن ببرلين إلى المسرح الصغير وتم تسليمه قفطاناً أبيض اللون، وطاقية (قبعة) بيضاء مناسبة، قام بإرتدائهما.

مهمام متنوعة

سوير البالغ من العمر 32 عاماً هو واحد من 28 شاباً وشابة قامت أكبر منظمة إسلامية في البلاد "ديتيب" بتدريبهم ليصبحوا "مندوبين دينيين" والتحقوا رسمياً بالحياة المهنية في برلين في منتصف يناير/ كانون الثاني. على المندوبين الدينيين الانخراط في مجموعة متنوعة من مجالات الرعاية الدينية، ويمكن أن يشمل ذلك أيضاً مهمة الإمام، لكن المصطلح أوسع بكثير.

ويعمل سوير كمندوب ديني إسلامي في "ألفتر" بالقرب من مدينة بون الألمانية منذ عدة أشهر. ويؤكد الشاب على أن العمل المجتمعي بالنسبة له يأتي في المقام الأول. وهذه مجموعة كبيرة جداً من الأنشطة التي يقوم بها: "أقوم بتعليم الطلاب وأتولى إمامة المصلين وأنا خطيب وواعظ. كما نذهب أيضاً إلى حفلات الزفاف وأقوم بمراسم الدفن والإرشاد الديني".

ثم يوضح أنه لا ينحدر من بون أو ألفتر. ويؤكد: "أنا من مدينة ماينز"، ويظهر ذلك من لهجة عاصمة ولاية راينلاند-بفالتس. جاء والداه إلى ألمانيا من تركيا في عام 1972، وكان والده يعمل في مصنع "أوبل" الكبير في روسلسهايم. حياة نموذجية للعديد من المهاجرين ما بعد الهجرة في ألمانيا.

عثمان سوير شاب من ماينز
عثمان سوير عُين مندوبا دينياً بعد اتمامه دراسته في ألمانيا ليصبح إماما صورة من: Christoph Strack/DW

يدير الاتحاد الإسلامي التركي المعروف اختصارا باسم "ديتيب" (DITIB) حوالي 900 مسجد في ألمانيا. وتشير تقديرات إلى وجود أكثر من 3000 مسجد ودار للصلاة في ألمانيا. 

ومنذ فترة طويلة كان الأئمة يحصلون على أجورهم بشكل حصري من قبل رئاسة الشؤون الدينية التركية المعروفة باسم "ديانات"، وهي مؤسسة حكومية لديها سلطات كبيرة. وقد أرسلت المؤسسة أئمة من تركيا للدعوة والوعظ وتقديم الإرشاد الديني باللغة التركية. وكان عدد قليل جدا منهم يتحدثون اللغة الألمانية - وهذا ما أكده "ديتيب" أيضاً. وتظهر البيانات الصادرة عن "ديانت" وكذلك من الجمعيات التابعة لاتحاد "ديتيب" خلال الأشهر القليلة الماضية، مدى الحرج بسبب هذا الأمر. وأحيانا تبدو (تلك الأماكن) وكأنها خطوط أمامية لأحلام أردوغان بإمبراطورية عثمانية جديدة.

التماسك الإجتماعي

والآن يقف أيوب كاليون، الأمين العام للاتحاد الإسلامي التركي "ديتيب"، على هامش احتفال أقيم في برلين وهو يستحضر وجهات النظر الجديدة. ويرتكز برنامج التدريب، الذي تنظمه جمعيته، وهو "خدمة مهمة"، على احتياجات المسلمين في ألمانيا، وباعتبارها مؤسسة دينية، فهي ملتزمة بذلك من حيث الموظفين والشؤون المالية. ويظهر التدريب أن جمعيته تمثل "التماسك الاجتماعي". ويقول  كاليون لـ DW: "في المستقبل، ستأتي اللغة الألمانية في المقدمة أكثر، وستكون اللغة التي تربطنا جميعاً، وخاصة المجتمع المسلم. ولهذا السبب فإن لغة التدريب لدينا هي الألمانية". وفيما يتعلق بأفراد المجتمع الأكبر سنا، ستظل اللغة التركية مهمة أيضاً.

الدعوة إلى تدريب رجال دين مسلمين باللغة الألمانية، كانت قائمة منذ سنوات عديدة في ألمانيا. وشكلت دوماً جزءاً من نقاشات الاندماج والسياسة الدينية. وفي جميع مراحل مؤتمر الإسلام في ألمانيا (DIK)، الذي بدأ لأول مرة في عام 2006، كان التركيز دائماً على "نقص" المهارات اللغوية للأئمة. وقد اشتكى السياسيون من ذلك، فيما كانت تطرح الجمعيات الإسلامية قضايا أخرى.

 ولفترة طويلة، كانت "الجماعة الأحمدية" هي الوحيدة، التي تقدم "تكوينا للأئمة" في ألمانيا. و"الأحمدية" هي جماعة إسلامية ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر فيما يعرف الآن بباكستان، وتعتبر نفسها، من الناحية الدينية، حركة إصلاحية. ومنذ عام 2008، قامت بتكوين الأئمة الناطقين باللغة الألمانية في دورة مدتها سبع سنوات، يعملون في الجمعيات الأحمدية في جميع أنحاء البلاد.

لقد مرت أربع سنوات فقط منذ أن أقدمت مؤسستان مختلفتا التوجه للغاية على القيام بمحاولات أخرى. أولهما اتحاد "ديتيب"، الذي حوّل نزل شباب سابق إلى مركز تكوين للأئمة في دالم (Dahlem) بمنطقة أيفل بغرب ألمانيا، بدأ علمه في عام 2020.

وبعد مرور عام، قدم علماء مسلمون بجامعة أوسنابروك ومسلمون ألمان من ذوي خلفية بوسنية الكلية الإسلامية الألمانية (IKD). وفي وقت سابق، وأثناء حضوره خلال الجلسة العامة للكلية، أشاد وزير الداخلية الألماني آنذاك، هورست زيهوفر، بتعاون الكلية الإسلامية الألمانية (IKD) وتحدث عن كونها رسالة جيدة للمسلمين في ألمانيا. وتحدث عن أن النقطة المهمة هي أن "التربية والثقافة الإسلامية" في ألمانيا سوف تتوافق في المستقبل بشكل أكبر "مع واقع حياة المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا".

ضغوط من وزارة الداخلية الألمانية

وقد تخرج من كلا المؤسستين: اتحاد "ديتيب" في "دالم" و الكلية الإسلامية الألمانية (IKD) في أوسنابروك، عشرات من الخريجين. وقد التحق الأئمة الأوائل من كلا المؤسستين بالخدمة و مهامهم تكمن في إمامة الصلاة وصلاة الجمعة. ومع ذلك، في منتصف ديسمبر/ كانون الأول، جاء البيان الصحفي الصادر عن وزارة الداخلية الألمانية بمثابة مفاجأة كبيرة.

وقد أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، أنه وبعد مفاوضات طويلة مع "ديانات" و"ديتيب"، تم التوصل إلى اتفاق بشأن الإنهاء التدريجي لإرسال أئمة من تركيا. معلنة على أنها "خطوة مهمة نحو اندماج الجاليات المسلمة في ألمانيا". وسيتم تكوين زهاء 100 إمام في ألمانيا كل عام.

الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف خلال تسليم الأئمة شهادات تخرجهم ويظهر في الصورة أيضا أيمن مزيك رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا. (30/9/2023)
تخريج أول دفعة أئمة من الكلية الإسلامية في ألمانيا. الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف خلال تسليم الأئمة شهادات تخرجهم (30/9/2023)صورة من: Friso Gentsch/dpa/picture alliance

ووفق تقارير، ساهمت عوامل مختلفة في عملية إعادة التنظيم الأساسية هذه، والتي لم تحظ باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام الألمانية. وبالإضافة إلى المحادثات التي أجرتها وزارة الداخلية الألمانية، كثفت وزارة الخارجية ضغوطها على أنقرة بشأن هذه القضية. وبشكل عام، يلعب التحول العام نحو اليمين في أوروبا والتفكير في الاندماج والهوية الثقافية دوراً أيضاً.

المثال الأوضح ولكن ليس الوحيد هو فرنسا. فمنذ بداية عام 2024، أوقفت فرنسا إستقدام أئمة من الخارج والممولين من دول أجنبية. كما عملت على تكوين رجال الدين في الجامعات الفرنسية. تغيير بدأه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون بداية عام 2020 ودخل حيز التنفيذ الآن. يُذكر أن معظم الأئمة في فرنسا كانوا يأتون من المغرب وتونس والجزائر. والآن على الأئمة الأجانب الذين ينحدون من هذه البلدان ومازالوا في فرنسا، تغيير وضعهم حتى نهاية مارس/ آذار من العام الجاري.

انشقاق داخل الاتحاد

من الواضح أن أيوب كاليون (36 عاماً)، مثل الشاب المنحدر من ماينز، عثمان سوير (32 عاماً)، يمثلان جيلًا جديداً من الأئمة. ولد كاليون في فوبرتال ولديه جواز سفر ألماني وشهادة ثانوية عامة ألمانية. أجداده جاءوا من تركيا. ومثل العديد من الخريجين الحاليين البالغ عددهم 28 خريجاً، يجيدون لغتين على الأقل: الألمانية والتركية. وينظر مراقبون باهتمام إلى الاتحاد الإسلامي التركي "ديتيب"، معتبرين أنه لم يعد بتلك الكتلة الواحدة، التي ينضم إليها بعض الأشخاص الجيدين للغاية ثم ينفصلون عنها بالتدريج. 

 وفي الوقت نفسه، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وردت تقارير عن تصريحات ذات نغمات معاكسة: انتقادات حادة لإسرائيل، وأيضا معاداة للسامية، وتفهم لأردوغان. لكن في خطابه، انتقد كاليون بشكل صريح هجوم حماس على إسرائيل.

وتحدث يورن تيسن، ممثل عن وزارة الداخلية الألمانية، بصفته ضيف شرف رسمي في حفل اتحاد "ديتيب" في برلين، وأوضح في مقابلة مع DW: "نهدف إلى تكوين 100 إمام ومندوب ديني في العام ومن ثم العمل على إنهاء إستقدام أئمة من تركيا".

وهذا يعني أن نفوذ أنقرة الرسمي سينتهي في أقل من عشر سنوات. وينظر تيسن إلى التزام الاتحاد الإسلامي التركي "ديتيب" بنفس  قدر الكلية الإسلامية في مدينة أوسنابروك ويقول: "هذه هي الخطوة الصحيحة: الأشخاص الموجودون هنا، والذين يعيشون هنا، والذين يتحدثون لغتنا، والمتشبعون بالثقافة والذين يبنون الجسور مع المجتمع، يمكنهم أن يقدموا ما نطمح له بالضبط".

أعدته للعربية: إيمان ملوك