1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"أسطورة بسمارك ساهمت في انهيار جمهورية فايمر الديمقراطية"

رشيد بوطيب١٥ يوليو ٢٠٠٧

مازالت شخصية بسمارك، أول مستشار ألماني وصانع الوحدة الألمانية تثير الكثير من التساءلات وتدبج حولها العديد من الكتب، آخرها كتاب المؤرخ الألماني روبرت غروات.

https://p.dw.com/p/BFfc
غلاف الكتاب

يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو:"لعبة التاريخ الكبرى تتمثل فيمن يفوز بالقواعد ويستأثر بها ويستعملها في معنى مغاير ويعكسها لترتد إلى نحور الذين فرضوها". القواعد أجل، ولكن خصوصا الرموز التاريخية، التي كثيرا ما قُرءَ ميراثها وتاريخها قراءة مسيسة ومغرضة، خصوصا تلك الشخصيات السياسية التي لعبت أدوارا طلائعية في رسم مصائر بلدانها، وبسمارك أحد هذه الشخصيات التي ظلت حاضرة وبقوة في الذاكرة الجمعية الألمانية، بل وساهمت في تشكيل الحاضر الألماني مرات كثيرة ورسم ملامحه.

ويأتي كتاب المؤرخ الألماني روبرت غروات: "أسطورة بسمارك: الألمان والمستشار الحديدي" ليسلط الضوء على الحرب الرمزية التي احتدمت حول شخصية وإرث بسمارك وعمليات تضخيم وتفكيك هذا الرمز التاريخي التي عرفها الفضاء السياسي الألماني في الفترة التي أعقبت مرحلة حكم بسمارك مباشرة وحتى انهيار العهد النازي.

بسمارك بين الواقع والأسطورة

قبل مائة وخمس سنين، في الثلاثين من يوليو 1889 توفي أوتو فيرست فون بسمارك عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عاما في مدينة هامبورغ، واستطاع بسمارك الذي شغل منصب المستشار لسنوات طويلة، أن يتحول وهو بعد على قيد الحياة إلى أسطورة ورمز قومي كبير لدى البرجوازية الألمانية. فكرئيس لوزراء بروسيا، وكأول مستشار لألمانيا الشمالية ثم لكل ألمانيا منذ تأسيس الإمبراطورية الجرمانية سنة 1871، استطاع بسمارك أن يضع حجر أساس الدولة الألمانية الموحدة، وأن يطور نظاما اجتماعيا وأن يحقق السلام في أوروبا عبر توقيع معاهدات كثيرة.

لكن هزائمه الداخلية ألقت بظلالها على نجاحاته في ميدان السياسة الخارجية. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى ما اصطلح عليه قانون الاشتراكيين والذي صدر سنة 1878، والذي أعطى كافة الصلاحيات للأجهزة الأمنية حتى تضيق الخناق على الاشتراكيين الديمقراطيين، كما خاض بسمارك حربا ثقافية ضد الكنيسة الكاثوليكية من أجل تحقيق فصل واضح بين الدولة والكنيسة. ورغم إقالة بسمارك من منصبه من طرف القيصر الإمبريالي فيلهلم الثاني سنة 1890، إلا أن البرجوازية لم تنس قط أن بسمارك كان الرجل الذي حقق الوحدة الألمانية وأسس للإمبراطورية الألمانية، وقد تم الاحتفاء به في كل مكان في ألمانيا، عن طريق بناء تماثيل له، وإطلاق اسمه على العديد من القلاع والمناطق.

بسمارك والحرب الرمزية حول ميراثه

Otto Fürst von Bismarck
أوتو فون بسماركصورة من: dpa

لا يركز كتاب روبرت غروات على سنوات حكم بسمارك، لأن هدفه تحليل القراءات المختلفة والتطبيقات السياسية المتناقضة التي تعرض لها الإرث البسماركي. لقد ركز الكاتب خصوصا في كتابه على الحضور الرمزي والسياسي لبسمارك في جمهورية فايمار التي امتد عمرها من سنة 1918 وحتى سنة 1933.

إنه يسلط الضوء عن الدور السلبي الذي لعبته أسطورة بسمارك في إضعاف جمهورية فايمار والاتجاه الديمقراطي داخل هذه الجمهورية. فقبل سنة 1918 يقول الكاتب تم استعمال إرث بسمارك من أجل شرعنة النظام السياسي والاجتماعي القائم في حين تحول بعد هذه السنة إلى سلاح في الصراع ضد ديمقراطية فايمار الوليدة. "العودة إلى بسمارك"، ذاك كان شعار اليمين الألماني في عصر جمهورية فايمار. ولم يستطع اليسار الجمهوري شيئا ضد هذه الأسطورة الضاربة بجذورها في الوعي الجمعي الألماني، ورغم أن القانوني المحسوب على اليسار الليبرالي هرمان كانتروفيتس طالب سنة 1921 بتجاوز إرث بسمارك وإلا فإن الديمقراطية الوليدة لن تنجح في الاستمرار، إلا أن دعوته لم تلق آذانا صاغية، بل سرعان ما سيعمد النازيون إلى استغلال هذه الأسطورة وأدلجتها بما يتوافق مع أطماعهم القومية.