1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أوروبا تعوِّل على تونس كقاطرة ديمقراطية للربيع العربي

٢٢ أكتوبر ٢٠١١

ثمة تفهم أوروبي متزايد لخيار قيام دولة تونسية على غرار النموذج التركي الذي يحاول التوفيق بين الديمقراطية والإسلام. ولكن لا بد من ضمان حقوق الإنسان والحريات الشخصية، كما ترى الخبيرة الألمانية إيزابيل شيفار.

https://p.dw.com/p/12wnY
صورة من: Dr. Isabelle Schäfer

للانتخابات المقبلة في تونس قيمة رمزية عالية جدا، وخصوصاً من أجل مزيد من تطوير الربيع العربي في المنطقة بأسرها من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط، بما فيها منطقة الخليج. ولهذا تحظى هذه الانتخابات حتى في أوروبا باهتمام كبير. الغالبية العظمى من الشعوب الأوروبية، فضلا عن المراقبين السياسيين وصناع القرار، على اقتناع بأن الانتخابات في تونس ستتخذ مسارا إيجابيا، وبأن تونس ستقيم نظاماً ديمقراطياً وستُجرى انتخابات حرة ونزيهة. وحول نتائج الانتخابات يدور الكثير من التكهنات والنقاش.

هل ستتأثر العلاقات الأوروبية التونسية بنتائج الانتخابات؟

فمن جهة، قد تكون تأثيرات الانتخابات على العلاقات مع أوروبا إيجابية من حيث أن العلاقات التونسية الأوروبية التي كانت عميقة مسبقاً في الماضي ستصبح أكثر عمقاً الآن في أعقاب البداية الجديدة للديمقراطية في البلاد، بل وستغدو أكثر تمايزاً وتنوعاً. وها هي آفاق جديدة وعديدة للتعاون تنفتح. وقد ازداد الاهتمام الأوروبي بتونس في الكثير من المجالات. ومفاوضات الوضع المتميز، التي كانت بالفعل متقدمة بشكل جيد قبل الثورة، سيتم إنجازها بشكل فوري مع الحكومة الجديدة بكل تأكيد. وبالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية الناتجة عن ذلك، كان الاتحاد الأوروبي قام في الأشهر الأخيرة بإتاحة أموال إضافية خاصة لدعم عملية التحول الديمقراطي في البلاد. ولكن ومن جهة أخرى، يمكن - في حال فوز حزب النهضة الإسلامي في الانتخابات - أن يكون للانتخابات حتى تأثير سلبي على العلاقات التونسية الأوروبية في المستقبل. وهنا توجد إجمالاً بعض المخاوف.

Dr. Isabel Schäfer FLASH-GALERIE
الدكتورة إيزابيل شيفار، أستاذة العلوم السياسية في جامعة هومبولت، برلينصورة من: privat

غير أن آفاق علاقات الاتحاد الأوروبي مع تونس، من حيث ما يسمى كثيراً بـِـ"الاستقرار" والديمقراطية في البلاد وفيما يتعلق بالتعاون المستقبلي مع أوروبا، أصبحت تتبلور من العديد من النواحي. كما أن "الاستقرار" لم يَعُد يُفهَم منه الآن التمسك بالنظم الاستبدادية والتعاون معها. وهو ما يُشكـِّل على الأقل خطوة إلى الأمام في الخطاب الأوروبي.

مخاطر تواجه التحول الديمقراطي
أما المخاطر المحدقة بالتنمية في تونس وبالتالي وبشكل غير مباشر بالعلاقات مع أوروبا أيضاً فهي تكمن في عدم التمكن من السيطرة على الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع. ومن التحديات الرئيسية أمام الحكومة الجديدة الحفاظ على مصداقيتها مع المواطنين والعمل على مكافحة الفساد وضمان الشفافية في عمليات صنع القرار السياسي واعتماد الموازنة العامة للدولة.

لقد أصبح التغلب على أحوال الحياة اليومية التي تزداد صعوبة منذ قيام الثورة هو الشغل الشاغل للكثير من الناخبين، وعلى الأخص معدلات البطالة العالية في أوساط الشباب. القضية المركزية ستصبح العمل المستقبلي على إنجاز الدستور الجديد. والأوروبيون في معظمهم يرون، بناءً على تجربتهم التاريخية الخاصة، أن الدساتير التي تفصل بين الدين والدولة تمثل نقلة نوعية في عملية التحول الديمقراطي. ومن المؤمّل فيه أن تفرض الأطراف العلمانية الفاعلة إرادتها في المجلس التأسيسي. وفي الوقت نفسه، هناك أيضا تفهُّم متزايد لخيارات تشكيل دولة على غرار النموذج التركي الذي يحاول التوفيق بين الديمقراطية والإسلام. وفي هذه الحالة، سيكون لا بد من ضمان حقوق الإنسان والحريات الشخصية للمواطنين في الدستور وفي تطبيقه على أرض الواقع.

دعم تونس مسؤولية أوروبية

ويتعين على أوروبا دعم تونس على المدى القصير والمتوسط وخاصة في مواجهة الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية (مثل التنمية ذات المنحى الاقتصادي الاجتماعي، والتعليم، والإسهام في إعادة إحياء قطاع السياحة، وزيادة الاستثمارات الأجنبية)، وذلك عن طريق سياسة هجرة أكثر إنسانية ومرونة من خلال التعليم وبرامج التبادل. وعلى ضوء التحديات العالمية والإقليمية الكثيرة (مثل الهجرة وتغير المناخ وارتفاع أسعار المواد الغذائية وموارد الطاقة) التي تؤثر تأثيرا كبيرا على مواصلة تطور تونس، فإنه لا يمكن حدوث تحولات مستدامة إلا إذا تم تشجيع هذا المسار على الصعيد الإقليمي أيضاً. ولذلك فمن الضروري تكثيف البرامج الإقليمية وتنشيطها وإعادة تحديد أطر التعاون المتعدد الأطراف، مثل مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" UFM، حتى وإن أصبحت منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط أكثر ​​تجزُّؤاً وأقل تجانساً.

ان عملية الانتقال إلى المستوى المطلوب لم تكتمل منذ وقت طويل. وفي كل بلد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتطور عمليات الانتقال بشكل مختلف للغاية. وعلى السياسة الأوروبية أن تكون أكثر تباينا ومرونة، وعليها أن تتأقلم مع السياقات المناسبة بهذا الشأن. ومفهوم "الأجوبة الجديدة للجوار المتغير" الذي نشأ في مايو/أيار 2011 بدعم من منسِّقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون ليس سوى خطوة أولى في هذا الاتجاه. غير أن الاتحاد الأوروبي أدرك بشكل جزئي أنه ليس من المُجدي نفعاً لا التأقلم ولا عقلية المانح- والمتلقّي في سبيل تعاونٍ أوروبي متوسطي وبالتالي تونسي- أوروبي فعالٍ ومتوازن.

ان المجتمع التونسي الحديث في أجزاء واسعة منه هو مجتمع متحرر وواثق من نفسه ومتطور ذاتياً. وقد حرر نفسه بنفسه وبموارده الذاتية من نظامه الاستبدادي وينبغي أن يُنظَر إليه أخيراً على قدم المساواة. وفق رؤية تشمل ايضا علاقات تجارية أكثر عدلا وعلى دعم ملموس في المجالات المذكورة آنفاً.

ولكن، رغم كل الانتقادات التي وُجِّهت في الأشهر الأخيرة لسياسة الاتحاد الأوروبي فإنه يجب التنويه إلى ازدياد تعاطف وثقة أوروبا في التحول الديمقراطي بتونس، وإلى أنّ أوروبا تحاول على مستويات مختلفة المشاركة بشكل بنّاء وتضامني في هذه العملية.


تعليق: إيزابيل شيفار

مراجعة: منصف السليمي

الدكتورة إيزابيل شيفار، أستاذة العلوم السياسية في جامعة هومبولت، برلين، ألمانيا، وهي متخصصة في شؤون منطقة المغرب العربي.