1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الجزائر: هل يحرك الجيش المياه الراكدة أم يسممها أكثر؟

٢٧ مارس ٢٠١٩

يرى مراقبون أن مطالبة قائد الجيش الجزائري بعزل الرئيس بوتفليقة عن طريق تفعيل المادة 102 من الدستور تحرك الوضع الجامد في الجزائر. لكن هل ستؤدي فعلا إلى تحقيق مطالب الشارع الغاضب وإنهاء الأزمة أم أنها ستزيد الأمر تعقيدا؟

https://p.dw.com/p/3Fl9B
Algerien 2016 Abdelaziz Bouteflika, Präsident
صورة من: Getty Images/AFP/E. Feferberg

وكأن الجميع في الجزائر كان ينتظر فقط "دفعة" من قائد الجيش الجزائري أحمد قايد صالح حتى تتوالى ردود الأفعال المؤيدة لعزل بوتفليقة بما في ذلك من جهات وشخصيات كانت حتى الأمس القريب محسوبة على الرئيس.  فالحزب الحاكم نفسه دعم توجه الجيش، كما أيده في ذلك شريكه الأبرز في الائتلاف الحاكم حزب التجمع الوطني الديمقراطي.

بيد أن المواقف تباينت على مستوى المعارضة والشارع؛ فبينما رحب البعض بهذه الخطوة معتبرا إياها مكسبا وخطوة نحو الأمام ومؤشرا على عدم انحياز مؤسسة الجيش للرئاسة، وجد آخرون أن هذه المبادرة تأتي متأخرة وكان يجب العمل بها قبل خمس سنوات عندما أصيب الرئيس بجلطة دماغية وأصبح ظهوره نادرا، هذا بالإضافة إلى الإشكاليات القانونية التي تحيط بهذه الخطوة والتي من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة إنتاج النظام الحالي.

فما الذي يسعى إليه الجيش من خلال هذه المبادرة، وهل تكون فعلا بداية حل للأزمة أم إعادة إنتاج النظام القائم؟

إشكاليات دستورية ومشهد معقد

التطورات الأخيرة في الجزائر تطرح إشكالات دستورية كبيرة بدءا من التعديلات المتكررة التي خضع لها الدستور، دون أي استفتاءات شعبية، والتي بموجبها استطاع بوتفليقة مثلا الترشح لولاية ثالثة ورابعة ثم الخامسة التي أفاضت الكأس، إلى مسألة تفعيل المادة 102 من الدستور التي دعا إليها قائد الجيش.

وحسب المادة 102 من الدستور المعدل في 2016 يجتمع المجلس الدستوري في حالة عجز الرئيس عن أداء مهامه للتأكد من المانع ويقترح الأمر على البرلمان بغرفتيه للتصريح بثبوت المانع. بيد أن تطبيق هذه المادة دونه إشكاليات لعل أبرزها أن رئيس مجلس الأمة الحالي، عبد القادر بنصالح، الذي يفترض أن يتولى تلقائيا رئاسة البلاد في الفترة الانتقالية، عند عزل بوتفليقة له جنسية جزائرية مكتسبة وليست أصلية وهو ما يخالف الدستور. وحتى تدخل أحمد قايد صالح نفسُه اعتُبر غير دستوري ولا يدخل ضمن صلاحياته كقائد للجيش.

Algerien, Freitagsdemo (picture alliance/AP Photo)
الاحتجاجات في الجزائر تتواصل للأسبوع الخامس وتعمق الأزمة السياسية في البلاد.صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Belghoul

ويرى سمير بلعربي، الناشط السياسي وأحد أبرز وجوه الحراك الجزائري، في هذا التدخل "التفافا على مطالب الشعب" على اعتبار أن تفعيل المادة 102 من الدستور ستعني أن المرحلة القادمة ستُقاد من وجوه تعتبر من رموز النظام وبالتالي لن يحدث التغيير الجذري الذي يسعى إليه الشارع. ويشرح بلعربي ذلك في حوار لـDW  عربية بالقول :"تفعيل هذه المادة يعني أن من سيتولى رئاسة البلاد الآن هو رئيس مجلس الأمة وهو محسوب على النظام كما أنه مع هذه المادة لا يمكن عزل الحكومة الحالية بقيادة بدوي الذي يطالب المتظاهرون كذلك برحيله. بالتالي كيف ننتظر أن يحدث تغيير؟".

مخاوف واحتمالات أخرى يشير إليها الناشط الجزائري وهي أن الرئيس بنفسه قد يعزل الآن قائد الجيش، وقد يخلص المجلس الدستوري في نهاية المطاف إلى أن الرئيس قادر على أداء مهامه. "ماذا سيحدث في هذه الحالة؟ سنعود إلى نقطة الصفر."، يقول سمير بلعربي.

لكن محمد بشوش، أستاذ العلوم السياسية، يقول إن الجيش لم يكن يملك خيارا آخر. ويشرح ذلك في تصريحات لـ DW عربية بالقول: "المؤسسة العسكرية أعطت الوقت الكافي لجناح الرئاسة لإعلان استقالة بوتفليقة لكنهم تعنتوا وحاولوا تأجيل الانتخابات وتمديد الولاية الرابعة. وكان يفترض دستوريا أن يُفعل المجلس الدستوري المادة 102 ولكن هذا المجلس يترأسه أحد المقربين من بوتفليقة. بالتالي المجلس هو من يتحمل مسؤولية تأخير تفعليها لتضطر بعدها المؤسسة العسكرية للتدخل".

ورغم التعقيدات القانونية التي تحيط بمبادرة قايد صالح، يرى بشوش أنها تبقى الحل الأفضل حاليا، ويضيف: "البرلمان لا يؤدي دوره والمجلس الدستوري كذلك، والرئاسة معطلة والأحزاب عاجزة. نظام الرئيس بوتفليقة سيسوقنا إلى حالة لا يمكن فيها الاستناد إلى أي نص دستوري إلى حلها. بالتالي ينبغي العمل على حل سياسي قد يُبنى بشكل جزئي على نصوص أو اجتهادات دستورية مع مراعاة مطالب المتظاهرين".

مسائية DW: تخلي الجيش عن بوتفليقة.. حل دستوري أم مراوغة؟

"ضوء أخضر وليس انقلاب"

الإشكاليات الدستورية المطروحة زاد من حدتها الغموض والضبابية التي تلف المشهد الجزائري وتشابك الفاعلين في الكواليس والعلاقات بينهم. فرئيس أركان الجيش الذي دعا إلى عزل الرئيس ليس سوى أحد أقوى حلفائه، بل يدين له بما وصل إليه في مؤسسة الجيش بما في ذلك تعيينه نائبا لوزير الدفاع أي نائبا للرئيس شخصيا على رأس مؤسسة متغلغلة بقوة في السلطة منذ استقلال البلاد عام 1962. لكن يبدو أن قايد صالح لا تجمعه العلاقة ذاتها بمحيط الرئيس فلطالما راجت معلومات عن وجود خلافات كبيرة بين قائد الجيش وبين شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة الذي يملك نفوذا كبيرا في البلاد.

فهل تتحول خطوة قايد صالح في التخلي عن الحليف عبد العزيز بوتفليقة إلى انقلاب عسكري على السلطة، أم أنها مساعدة له على خروج من الرئاسة يحفظ له ماء الوجه من بوابة المانع الصحي؟

Kamel Daoud
الكاتب الجزائري كمال داوودصورة من: DW/L. von Richthofen

المحلل السياسي محمد بشوش يرى أن قايد صالح مازال وفيا لبوتفليقة لكنه يعتبر أن "الأخير انتهى والسلطة حاليا مختطفة من طرف محيطه وخصوصا من السعيد بوتفليقة. وقايد صالح لا يريد أن يقع ضحية تهور جماعة الرئيس بما أنه انتهى". هذا  بالإضافة إلى أن هناك ضغطا داخل قيادة الأركان، فقايد فصالح ليس وحده وقيادة الأركان تريد أن تفرض حلا يُبقي على الأقل على الصورة المقبولة للمؤسسة العسكرية لدى المحتجين الذين لم يرفعوا إلى الآن شعارات ضد الجيش، كما يقول الخبير.

ويستبعد بشوش أن يكون قائد الجيش قايد صالح بقراره هذا يتجه نحو انقلاب عسكري على الرئيس. ويضيف "من المعروف أن أي سلطة سياسية في الجزائر تعتمد على مساندة الجيش، وصالح هو من دعم بوتفليقة عندما ترشح في 2014، وفي المظاهرات الحالية كان بإمكانه الانقلاب عليه منذ الجمعة الأولى للمظاهرات لكنه لم يفعل وانتظر خمسة أسابيع ليدعو فقط إلى تطبيق مادة في الدستور".

 

كمال داوود الكاتب الجزائري يشاطر هذا الرأي أيضا في حديث لـ DW ويعتبر أن ما قام به الجيش لا يعتبر انقلابا فهو، "بغض النظر عن كون نواياه صافية أم لا، لم يضع يده على السلطة بل دعا المجلس الدستوري إلى تطبيق القانون لوقف الجمود الحاصل الآن. "أي أنه ليس انقلابا عسكريا وإنما ضوء أخضر".

وحتى إذا أصبحت نهاية بوتفليقة كرئيس مجرد مسألة وقت، يلف الترقب المرحلة القادمة في الجزائر في ظل الفراغ السياسي وانعدام الثقة بين النخبة السياسية والشارع الذي رفض كل الأسماء التي المقترحة لإدارة المرحلة، لدرجة أن ناشطين على فيسبوك تداولوا شعارات مناهضة لقائد الجيش نفسه  قالوا إنهم يعتزمون رفعها في المظاهرات الجمعة المقبلة.

كل هذا يجعل من الصعب التوصل إلى توافقات على من سيدير المرحلة المقبلة وكيف. لكن سمير بلعربي يقول إن هناك شخصيات حقوقية ووطنية تحظى باحترام الشارع يمكنها أن تلعب دورا في المرحلة الانتقالية.

سهام أشطو

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد