1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العراق: من الملكية الدستورية إلى جمهوريات الدم

١٩ يوليو ٢٠١٢

تموز شهر الثورات والجمهوريات، ففي 14 تموز 1958 قامت مجموعة من ضباط الجيش بانقلاب عسكري وتحول العراق من الملكية الدستورية إلى جمهورية بدستور مؤقت، لتتوالى بعدها جمهوريات قادت بلد الخير إلى الدمار والموت والحروب.

https://p.dw.com/p/15Xrx
صورة من: picture-alliance/dpa

يعيش العراق اليوم الجمهورية الثامنة. وحين ننظر إلى هذا التاريخ نراه ملطخا بالدماء، وهذا يدفعنا للتساؤل، لو بقي العراق ملكيا وتطور الحكم فيه تطورا دستوريا، هل كان العراق قد نزف كل هذه الدماء، وخسر كل هذه الثروات، ودمرت بنيته التحتية بكل هذه الحروب؟

ولابد من الإشارة هنا إلى أن متابعة هذا الموضوع لا تعني الدفاع عن الحكم الملكي في العراق، فهذا تقديره متروك للتاريخ، لكن المراقب يقارن ما حدث في العراق تباعا، في ضوء ما يحدث في العالم العربي اليوم، حيث تشهد الجمهوريات ثورات الربيع العربي والأوضاع فيها تسير من سيء إلى أسوأ، أما الممالك والإمارات والمشايخ العربية ، فهي مستقرة هادئة، وحتى التغيرات السياسية فيها تحدث اليوم بشكل هادئ، وهذا يدفع للتساؤل إن كانت الأنظمة الملكية أكثر استجابة لمطالب الشعوب، واقل ميلا للعنف في حل مشكلاتها في الداخل والخارج؟

الصحفي أحمد حسو المحرر في القسم العربي في DW أعتبر أن الممالك فيها استقرار سياسي نظرا لأن العائلات المالكة تحكم منذ زمن طويل، لكنه استطرد بالقول إن هذا لا يعني أن الممالك ليست فيها مشاكل " فالأسرة المالكة السعودية على سبيل المثال تجلس على خزان من المشاكل وحكمها قائم على القمع، كما لا توجد فيها معارضة حقيقية".

Irak Saddam Hussein und Abd Hmud
صدام حسين واركان نظامهصورة من: dapd

جمهوريات التوريث فاقدة للشرعية

ومضى حسو مفسرا سبب القلق من الأنظمة الجمهورية، فأشار إلى أن الجمهوريات فتحت الباب لقيام انقلابات عسكرية من خلال مساحة الحركة التي أتاحتها للناس.

ويلاحظ المهتمون بالشأن العربي أن الجمهوريات العربية ( حتى اليسارية منها) صارت جمهوريات تتبع نظام التوريث، مع أنه يفترض أن تكون أنظمة الحكم فيها منتخبة برضا وإرادة الشعوب. وفي هذا السياق قال الصحفي حسو" في سوريا جرى توريث الحكم ، في اليمن كان الرئيس السابق صالح يجهز ابنه لوراثة الحكم، وهناك شبه اعتقاد أن رئيس مصر المخلوع كان يحضر لتوريث احد أبنائه".

هذا المعنى أكده المفكر غالب الشابندر في حديثه لمايكروفون برنامج العراق اليوم من DW مشيرا إلى أن الملكية في المغرب وفي الأردن خلال هذا المقطع الزمني كانت عامل توحيد ،" كما أنها حافظت على لحمة النسيج العراقي قبل انقلاب عام 1958".

في العهد الملكي: " الحكم للسنة، والتجارة للشيعة"

عند الحديث عن العراق، يلاحظ من يطلع على التاريخ الحديث لهذا البلد، انه كان بلدا فقيرا ناشئا في العهد الملكي، لكنه كان ينجح في أن يصدر مواد زراعية إلى دول العالم(القمح والشعير والتمور والأرز) إلى جانب صادراته النفطية المتواضعة آنذاك.

المختصون في شؤون التربية والتعليم يشيرون إلى أن مستوى التعليم في البلد كان ارقى بكثير مما آل إليه في العهود الجمهورية المتعاقبة. العنصر الأهم أن السلطة الملكية كانت تحكم البلد مستندة على دستور دائم، وهو ما حرم منه العراق حتى إسقاط حكومة صدام حسين في 2003 ، ويشير خبراء القانون أيضا إلى أن المؤسسات الدستورية كانت أكثر فاعلية وتأثيرا على السلطة التنفيذية في العهد الملكي، فيما غابت هذه المؤسسات تماما عن المشهد منذ قيام الجمهوريات. إلى ذلك ذهب المفكر الشابندر مبينا أن التباين في النسيج الاجتماعي في العهد الملكي كان أقل حدة مما هو عليه اليوم" كان هناك علاج للوضع الطائفي بين الشيعة والسنة، حيث أخذ السنة الحكم وتركوا التجارة للشيعة".

Halabja
ضحايا حلبجة: بعض حصاد الجمهورياتصورة من: AP

" لم تكن المرحلة الملكية خالية من المظاهر الدموية"

دولة العراق الحديثة تشكلت في عصر ما كان يعرف بالثورة العربية الكبرى، و يذهب الكاتب والباحث الأكاديمي د تيسير عبد الجبار الألوسي في حواره ضمن برنامج العراق اليوم من DW إلى "أن الملكية احتوت وتضمنت كثيرا من مفاهيم بناء الدولة العراقية بالمعنى الوطني المحلي، وقد أسست لمعان تخضع للدستور، كما أن المجتمع المدني كان موجودا وفاعلا" ، واستدرك الالوسي بالقول" لم تكن المرحلة الملكية خالية من المظاهر الدموية".

يؤخذ على جمهوريات العراق التي قامت قبل عام 2003 أنها انبثقت عن انقلابات عسكرية، وقد سميت اصطلاحا بجمهوريات العسكر، من هنا يصعب تسمية تلك الانقلابات بالثورات، وهذا سبب قد يدفع المرء للشك في شرعية تلك الانقلابات ومدى تمثيلها لرغبات وأهداف الشعوب خلال المراحل التي قامت فيها.

"منجزات ثورة 1958 كانت سببا لاجتماع أعدائها لإسقاطها"

د.محمد الشطب عضو التيار الديمقراطي العراقي، شارك في حوار برنامج العراق اليوم من DW، وأبدى اعتراضه على تسمية ما جرى في 14 تموز/ يوليو 1958 بالانقلاب العسكري، مؤكدا أن هذه هي ثورة الشعب العراقي، وأبدى اعتزازه وفخره بها. وأقر الشطب أن الثورة قد قام بها مجموعة من الضباط دون استفتاء رأي الشعب، لكنه عاد ليؤكد هويتها الوطنية من خلال المنجزات التي حققتها، ثم ذهب إلى القول" إن المنجزات التي حققتها الثورة في العراق ساهمت في تأجيج عداء العالم لها، وكانت سببا لإسقاطها ".

Irak Bagdad Infrastruktur
بقايا حروب الجمهوريات: بنية تحتية متهالكةصورة من: Karlos Zurutuza

المفكر غالب الشابندر أبدى استغرابه من الحديث عن منجزات قدمتها ثورة 1958، معتبرا أن الأمور تأخذ بخواتيمها، وما تبع انقلاب 1958 عبر خمسة عقود من الزمن أتسم بالعنف والدموية والتخريب، ذاهبا إلى أن أول وأكبر أخطاء الجمهوريات كان تأميم النفط، حيث تبع ذلك ما بات يعرف بالتنمية الانفجارية وما تلاها من هجرة شاملة مليونية للفلاحين إلى المدن، فخربت الأراضي الزراعية، وجفت الأنهار، وانهار قطاع الزراعة تماما، وصار العراق يستورد حتى الخضروات من جيرانه. واعتبر الشابندر أن "القضية ليست قضية عناوين وإجراءات ثورية، وإنما القضية هي مدى بنيوية هذه الإجراءات، ومدى قدرتها على أن تكون واقعية لتنتج الآثار التي كانت مرجوة منها ".

من جانبه، فسّر د تيسير الالوسي الاستقرار النسبي في الدولة العراقية الفتية التي قامت مطلع القرن العشرين " إنه كان بقايا تركة الانكسارات التي تعاقبت على الأمة العراقية عبر قرون من التاريخ " . وعزا الالوسي الدموية التي تسود المجتمع اليوم إلى الصراعات السائدة فيه والى تدني مستوى الوعي الحزبي والثقافي والسياسي.

ملهم الملائكة

مراجعو: هبة الله إسماعيل