1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تفشي ظاهرة الإدمان على العقاقير المهلوسة لدى الشباب العراقي

١١ مارس ٢٠١١

الإدمان على العقاقير المهلوسة يعد من الظواهر التي زادت استفحالا في المجتمع العراقي بعد عام 2003. ويعزي الخبراء أسباب تفشي هذا النوع من الإدمان بين الشباب العراقي إلى أسباب عدة، أولها البطالة والجهل.

https://p.dw.com/p/10Uxq
الحروب وعم الاستقرار الأمني والنفسي من أسباب انتشار البطالة في العراق خلال السنوات الماضية.صورة من: picture-alliance / dpa

ظاهرة الإدمان على العقاقير المهلوسة أو ما يعرف محلياً بـ"الكبسله" من الظواهر الجديدة في المجتمع العراقي انتشرت بشكل لافت للنظر في السنوات الأخيرة في ظل الفوضى التي عمت البلاد، بحسب أطباء مختصين. بعد أن كان ينظر للعراق كبلد نموذجي من حيث محاربة المخذرات والاتجار بها حسب تقارير الأمم المتحدة.

ووصف أحد الضحايا المدمنين، وهو طبيب صيدلاني من بغداد، حالته مع بداية الإدمان على المسكنات، موضحاً "أصيب كتفي يوماً ما عندما كنت أساعد زوجتي في الأشغال المنزلية، وشعرت بألم شديد آنذاك، مما اضطرني إلى السهر لساعات طويلة. وانتهى بي المطاف إلى أخذ حقنه من مادة مسكنة للآلام (ترامال)".

وقال محمد سعيد (32عاماً) في حوار مع دويتشه فيله "أخذت أتعاطى تلك الحقنة كلما شعرت بالألم حتى تحول الأمر بعد مدة من علاج إلى إدمان"، مشيراً إلى أن "مجال عملي قد سهل عليّ تعاطي العقاقير المسكنة". ولفت سعيد إلى أن "الإدمان على تعاطي الأدوية المسكنة قد أثر بصورة سلبية على حالتي الصحية"، مضيفاً أنه "عندما ساءت صحتي قررت الذهاب إلى مركز ابن رشد لعلاج المدمنين، من أجل الإقلاع عن هذه الظاهرة".

العيش في عالم آخر

Drogenprobleme bei Jugendlichen im Irak
مركز ابن برشد في بغداد يعتبر مركزا وحيدا وفريدا من نوعه في العراق لمعالجة الإدمان على المخدراتصورة من: Al-Saidy

علاء عامر حمود، في ربيعه السابع عشر، ضحية أخرى لتعاطي هذه الحبوب، لكن الأسباب التي دفعت به إلى الإدمان على عقاقير الهلوسة من نوع آخر، أولها المشاكل والضغط النفسي داخل المنزل. ويقول حمود موضحاً: "أعيش في عالم آخر عندما اتعاطى الحبوب المسكنة". ويضيف حمود أن "أحد أصدقائي أعطاني قرص (حبة) من مادة سماها (الآرتين) من غير أن يفصح عن ماهية ذلك القرص، وعندما تعاطيته غمرتني السعادة ونوع من الاسترخاء وإحساس لم أشعر به من قبل".

وتابع بالقول: "أتناول حبوب الهلوسة منذ سنتين"، منوهاً إلى أن: "عدم تعاطي هذه الحبوب يشعرني بحالة عدائية تجاه الآخرين، ولم أعد استطيع الاستغناء عنها كونها تزيل هموم مشاكلي العائلية والشخصية". وبحسب حمود فإن الأنواع المعروفة في "سوق الحبوب المخدرة" تتنوع بين "الآرتين" و"الفاليوم"، والتي يُطلق عليها شعبياً تسميات تختلف باختلاف شكل الحبة، فهناك "أبو الصليب" و"أبو الحاجب" و"ألسمائي" و"أبو الطبرة" و"الوردية".

من وسيلة للعلاج إلى أداة لإدمان

Drogenprobleme bei Jugendlichen im Irak
علي عبد الإله الباحث النفسي في مركز بن برشد في مستشفى بغداد.صورة من: Munaf Al-Saidy

قد تكون حالة حمود هي النموذج الشائع للمدمنين على تعاطي عقاقير الهلوسة، عن هذا يقول علي عبد الإله، الباحث النفسي المختص بعلاج المدمنين في مركز "ابن رشد" ببغداد، إن "المشاكل النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها بعض الأشخاص، تجعل منهم فريسة سهلة للإدمان". ومع تزايد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في العراق زادت حالات الإدمان بين الشباب، كما يوضح الباحث النفسي، مؤكداً أن "الطابع العدائي هو السمة البارزة لمتعاطي عقاقير الهلوسة". ويضيف حمود أن أغلب الحالات التي تُعالج في المركز ترتبط بأسباب اقتصادية متأتية من تفشي البطالة بين الشباب العراقي. فقد تحولت هذه العقاقير من وسيلة للعلاج إلى مصدر للإدمان.

ويشير عبد الإله في حديث إلى دويتشه فيله إلى أن المدمن على العقاقير المسكنة يحتاج في مرحلة العلاج وإلى إرشادات ودعم نفسي، فضلاً عن شرح مفصل لخاطرها وتأثيراتها السلبية على صحته في المستقبل. وأكد أن "مركز أبن رشد يتبع طرق علاجية حديثة، فضلاً عن تقديم كافة المستلزمات للمدمن بمرجعتنا بصورة أسبوعية دورية ونصحه بضرورة الإقلاع عن هذه الظاهرة الخطرة، التي من شأنها أن تفكك نسيج المجتمع".

وأوضح عبد الإله أن "دراسات المركز كشفت عن أن متعاطي الحبوب المسكنة يكثرون في المناطق الشعبية، مقارنة بالمناطق الأخرى"، عازياً السبب لعوامل الفقر والجهل والبطالة المتفشية في المناطق الشعبية. ولفت الباحث النفسي إلى أن "أغلب أعمار متعاطي عقاقير التخدير تتراوح بين 14-30 عاماً، ومن غير الحاصلين على شهادات علمية"، مبيناً أن "بعض الأشخاص تعاطوا العقاقير كعلاج طبي، إلا أنهم أدمنوا عليها بعد مدة".

ثغرات قانونية وتأثيرات اجتماعية

Drogenprobleme bei Jugendlichen im Irak
شعلان جودة العبودي، طبيب مختص في الإدمان.صورة من: Al-Saidy

أما في الجانب القانوني فيكشف المحامي سليم عزيز عبد الله، عن أن المشرع العراقي تطرق الى المواد المخدرة في قانون المخدرات رقم 68 لسنة 1965، الذي خصص لوزارة الصحة باستيراد بعض المواد المسكنة واستخدامها للعلاج. وأوضح عبد الله أن "المادة 14 من القانون قد فرض عقوبة على من يخالف أحكامه، بمصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة لمن استورد هذه الحبوب بغير أجازة من السلطات المختصة المتمثلة بوزارة الصحة العراقية".

وينص قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1965 في المادة 386 على فرض عقوبة لكل من يتعاطى المخدرات والمسكرات (منها حبوب الهلوسة) على الحبس شهر أو سنة والغرامة. لكن عبد الله يشير إلى بعض الثغرات القانونية في هذا المجال قائلاً: "إن بعض تجار الحبوب المخدرة يستغلون في تجارتهم استيراد عقاقير الهلوسة بحجة علاج بعض الأمراض"، معتبراً إنها "ثغرة قانونية يجدها البعض من التجار لغرض بيع هذه العقاقير".

ويوضح عبد الله إلى أن "تعاطي حبوب الهلوسة بين أفراد المجتمع قد بدأت نتائجه السلبية تتضح جلياً أمام العيان، والمتمثلة بكثرة دعاوى الطلاق، التي ترفعها النساء على أزواجهن المدمنين نظراً لتعاطيهم تلك الحبوب". ويضيف أن زيادة الإدمان على هذا النوع من العقاقير يجعل من المدمنين أداة سهلة للجريمة.

مركز وحيد للمعالجة

Drogenprobleme bei Jugendlichen im Irak
المحامي سليم عزيز عبدالله: هناك ثغرات قانونية عديدة.صورة من: Al-Saidy

من جهته يقول شعلان جودة العبودي، الطبيب المختص بمعالجة حالات الإدمان في مركز ابن رشد، أن المركز يستقبل قرابة 20 شخصاً أسبوعياً، وتتم فيه معالجة المرضى حسب جدول مواعيد شهرية بتخصيص ثلاثة أيام في الأسبوع. ويقول إن "المركز مختص بمعالجة ثلاثة أنواع من الإدمان، وتتمثل بالإدمان الدوائي ويشمل متعاطي عقاقير الهلوسة والإدمان الكحولي فضلاً عن الإدمان المختلط ما بين الكحول وعقاقير الهلوسة". ويعد المركز المتخصص في علاج الإدمان الدوائي والكحولي الوحيد من نوعه في العراق.

ويشير العبودي إلى أن "غياب الدور الصحي الرقابي بعد أحداث عام 2003، قد ساعد على انتشار ظاهرة تعاطي عقاقير الهلوسة حتى أصبح عدد المراجعين على الإدمان الدوائي بقرابة 60% من عدد المرضى المراجعين للمركز". ويعزي الطبيب المختص انتشار هذا النوع من الإدمان بين الشباب إلى ضعف الدور الرقابي للأجهزة المعنية، ما أدى إلى "توفر الحبوب المخدرة في الأسواق وسهولة اقتناءها وقلة أسعارها، مما سهل عملية انتشارها بين فئة الشباب والمراهقين"، داعياً هذه الجهات إلى اهتمام أكبر لمعالجة الظاهرة. وكشف العبودي عن أن "الخطوة الأولى في التخلص من الإدمان على العقاقير والمخدرات المسكنة تتمثل برغبة المريض وإصراره على الاستجابة للعلاج من اجل الإقلاع عن تعاطي هذه المواد السامة".

وتشير إحصائية لـ"وحدة الإحصاء الحياتي" التابع لوزارة الصحة، أُجريت في عشر محافظات عراقية، أن حالات الإدمان المعلنة لدى الشباب الذين لم يتجاوزا سن الساعة عشرة من كلا الجنسين، تجاوزت 1500 مدمن في عام 2008 وحده.

مناف الساعدي / بغداد

مراجعة: حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد