1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تهريب المخدرات: موريتانيا نقطة عبور إلى أوروبا

٢٢ فبراير ٢٠١٠

تشهد موريتانيا تنامي نشاطات عصابات متخصصة في تهريب الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا. وإذا كثفت السلطات حملاتها على المهربين، فإن تفشي الرشوة والفساد يمثل تربة خصبة لازدهار هذا النوع من التهريب.

https://p.dw.com/p/M6id
خبير يقوم بفحص عينة كمية الكوكايين المصادرة للتأكد من طبيعتهاصورة من: DW

قبل أسبوعين من الآن أصدر القضاء الموريتاني أحكاما بالسجن النافذ وصلت إلى 15 سنة ومصادرة جميع الممتلكات، في حق متهمين بإنشاء وتزعم أكبر عصابة لتهريب المخدرات في تاريخ البلد، كما أصدر مذكرات توقيف دولية بحق متهمين فارين من العدالة. ومن بين المدانين موريتانيون وأجانب، ووصفت النيابة العامة في موريتانيا الأحكام بأنها كانت مخففة، وطالبت باستئنافها وإعادة محاكمة المتهمين.

وقد أعادت هذه المحاكمة إلى الواجهة الحديث عن نشاطات عصابات تهريب المخدرات على الأراضي الموريتانية التي كان برها وبحرها مسرحا لعمليات تهريب كميات كبيرة من الكوكايين باتجاه أوروبا.

عصابات من "العيار الثقيل"

Mauretanien Kokainschmuggel
كمية من الكوكايين قادمة من أمريكا الجنوبية تمت مصادرتها من طرف الشرطة في نواكشوطصورة من: DW

وقد شهدت السنوات الخمس الماضية، الإعلان عن اكتشاف شبكات كبيرة ومعقدة لتهريب المخدرات في موريتانيا. وقالت مصادر أمنية إن العصابات التي تم الكشف عنها تتوفر على إمكانيات لوجستية وبشرية عالية، وأنها متخصصة في تهريب الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا عبر الأراضي الموريتانية، مستغلة المساحة الشاسعة للأراضي الموريتانية وهشاشة المنظومة الأمنية للبلد، الذي ما يزال معظم ساكنته يعيشون تحت خط الفقر، وتنتشر في أوساطه الأمنية والإدارية الرشوة والفساد.

فالصحراء الموريتانية الشاسعة والتي تمتد آلاف الكيلومترات خالية من السكان، أغرت هؤلاء المهربين الذين قرروا أن يتخذوا منها مطارات لهبوط الطائرات المحملة بالمخدرات، في انتظار تفريغها وشحنها إلى أوروبا عبر البحر، أو عبر الحدود المغربية. وتؤكد مصادر أمنية أن عصابة ضخمة بقيادة كولومبيين وفرنسيين وجزائريين وموريتانيين، كانت تنشط عبر الأراضي الموريتانية، وقد تمكنت من تحديد نقطتين على الأقل في الشمال والشرق الموريتاني كمطارين تحط بهما الطائرات الصغيرة المحملة بالكوكايين والقادمة من فنزويلا وكولومبيا وباقي دول أمريكا الجنوبية.

وقد تم تزويد هذين المطارين الصغيرين بكميات كبيرة من وقود الطائرات، قبل أن يتم الكشف عنهما من قبل السلطات الموريتانية، التي شنت حملة اعتقالات استهدفت مشتبها في تعاونهم مع أفراد تلك العصابة. هذا فضلا عن أن اعتماد موريتانيا على الصيد البحري وتصدير الأسماك إلى أوروبا، جعل من موانئها ملاذا لهؤلاء المهربين الذين يستغلون بواخر الصيد المحملة بالأسماك إلى أوروبا لشحن كميات من المخدرات بين حاويات السمك. وتعتبر الموانئ الإسبانية والبرتغالية والفرنسية والبلجيكية أكثر الموانئ الأوروبية استهدافا بعمليات التهريب عبر بواخر الصيد البحري نظرا لحيوية نشاطات تصدير الأسماك الموريتانية إلى موانئها.

بداية السقوط

Mauretanien Kokainschmuggel
طائرة صغيرة هبطت في مطار بالصحراء الموريتانية وهي محملة بالكوكايينصورة من: Polizeibehörde Mauretanien

وتعود قصة اكتشاف أول عصابة لتهريب المخدرات عبر الأراضي الموريتانية إلى منتصف عام 2006 عندما هبطت طائرة صغيرة بشكل مفاجئ في مطار مدينة نواذيبو الساحلية ليلا، وألقت حمولتها وغادرت دون إذن من برج المراقبة، حيث تبين أنها كانت تنقل شحنة من الكوكايين. وقد عثر الجيش الموريتاني على الطائرة في أحد مطارات العصابة في "صحراء تازيازت" شمال غرب موريتانيا، وتبين أنها تعود لعصابة تنشط بين أوروبا وفنزويلا وكولومبيا وتقوم بتهريب المخدرات عبر وسطاء موريتانيين.

وبعد أشهر قليلة تمكن أحد قضاة التحقيق من وضع اليد على حافلة مخبئة في أحد أحياء العاصمة نواكشوط وبداخلها كمية تزيد على 1 طن من الكوكايين، قدر ثمنها آنذاك بما يربو على 60 مليون يورو. واعتقل عدد من المغاربة والموريتانيين بتهمة المسؤولية عن إدخال تلك الشحنة إلى الأراضي الموريتانية.

وفي يوليو عام 2007 وقعت محاولة تصفية جسدية لأحد رجال الأعمال الموريتانيين وسط العاصمة نواكشوط، تبين أثناء التحقيق فيها أن سببها يعود إلى خلافات بين شبكات تهريب المخدرات، وأن عناصر إحدى العصابة يتهمون رجل الأعمال المستهدف بالاستيلاء على شحنة من الكوكايين تقدر قيمتها بحوالي مليون ونصف المليون يورو تسلمها منهم في العاصمة السنغالية دكار، على أن يوصلها إلى عميل لهم في جزر الكناري الإسبانية، إلا أنه استحوذ عليها وباعها لعملاء مغاربة في موريتانيا.

مسؤولون متورطون في عمليات التهريب

Mauretanien Kokainschmuggel
قصر العدل في نواكشوط حيث يحاكم أباطرة تهريب المخدرات في البلدصورة من: DW

وقد قادت التحقيقات الأمنية والقضائية في تلك الحادثة ـ حسب تصريحات النائب العام ـ إلى الكشف عن علاقة ممثل الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) في موريتانيا، بشبكات تهريب المخدرات، وتورطه في تغطية نشاطات المهربين، فاعتقل وقدم للمحاكمة، وهو ما دفع بعض وسائل الإعلام المحلية والدولية إلى الحديث عن احتمال تورط بعض المسؤولين الأمنيين والسياسيين والإداريين السامين في الدولة، في التواطؤ مع عصابات تهريب المخدرات.

ومضى البعض إلى حد اتهام نظام الرئيس الأسبق ولد الطايع بالتغاضي عن نشاطات تلك العصابات انطلاقا من أن موريتانيا مجرد معبر للمخدرات، وليست سوقا للبيع أو الاستهلاك. إلا أنه من شبه المؤكد أن عناصر تلك العصابات كانوا يحظون بحماية مسؤولين في البلد، كما استغلوا هشاشة المنظومة الأمنية الموريتانية، وانتشار الرشوة في أوساط رجال الأمن والجمارك، لتهريب كميات كبيرة من المخدرات عبر الأراضي الموريتانية، في اتجاه أوروبا.

ويقول الخبراء إن المخدرات التي تدخل إلى الأراضي الموريتانية هي بضاعة عابرة، وأن عمليات البيع التي تتم في السوق الموريتانية لا تعني بالضرورة أنها سوق استهلاكية، وإنما محطة عبور وتبادل بين عناصر العصابات، فالسوق الموريتانية الفقيرة لا تتحمل توزيع مخدرات بأسعار خيالية مثل الكوكايين، وإنما أكثر أنواع المخدرات انتشارا في صفوف المدمنين الموريتانيين ما يعرف بـ"القنب الهندي" أو "الحشيش"، وهو رخيص الثمن قياسا للكوكايين الذي يدر على مهربيه أموالا طائلة.

مخاوف من تحالف الإرهاب والمخدرات

ويقول الخبير الأمني محمد ولد عبد الله إن موريتانيا تتوفر على معطيات مهمة بالنسبة لمهربي المخدرات، فهي بلد له مساحة شاسعة وأغلبها صحاري غير آهلة بالسكان، ولا يمكن للسلطات الأمنية والعسكرية مراقبتها بشكل دقيق وحازم، كما أنها بلد فقير تتدنى فيه أجور الموظفين، مما يجعلهم عرضة للسقوط في شراك عصابات تهريب المخدرات التي تنفق عليهم أموالا طائلة.

هذا فضلا عن أن لموريتانيا حدودا مشتركة مع كل من السنغال ومالي والمغرب والجزائر، وهي كلها بلدان تعرف نشاطات عصابات تهريب المخدرات، الأمر الذي يجعل السلطات الموريتانية لا غنى لها عن الدعم الدولي لمحاربة تجار المخدرات، الذين تخشى أوساط أمنية أن يكونوا قد أصبحوا على علاقة تحالف مع بعض المجموعات الإرهابية المسلحة التي تنشط في الصحراء الكبرى وعلى مشارف الحدود الموريتانية الشمالية والشرقية.

الكاتب: محمد محمود أبو المعالي - نواكشوط

مراجعة: طارق أنكاي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد