1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ثقافة الخوف .. متى تغادر العراقيين؟

Abbas Alkhashali١٨ مايو ٢٠١٢

أجيال تربت على ثقافة الخوف في العراق. استخدمت سلطة البعث لعقود طويلة سيكولوجية الخوف للسيطرة على المجتمع. وبعد أن سقطت أخاف الفرقاء السياسيون العراقيين للحصول على أصواتهم خلال الانتخابات.

https://p.dw.com/p/14yS8
صورة من: DW

يخاف الإنسان. يبرز هذا الخوف من أعماقه، أو ربما يحيط به، فمجتمعه يخيفه. بعض الناس يتملكهم الخوف طيلة حياتهم، يسيطر عليهم، يقودهم حيثما يشاء. لكن البعض يستطيع مقاومة مشاعر الخوف من حوله، تلك التي تحاول الدخول إلى أعماقه.

هناك خوف داخل الأسرة، خوف في الشارع، خوف في المدرسة، خوف ممن يحمل السلاح، أو ممن يلبس لباس السلطة. أنواع الخوف لا تعد ولا تحصى اجتاحت قلوب وعقول العراقيين خلال عقود، لتنتج ثقافة الخوف.

رئيس جمعية الأطباء النفسانيين العراقيين الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح يقسم الخوف إلى قسمين: خوف ايجابي، يحمينا عند الخطر. مثال ذلك "عندما يرى احدنا صراعا بالسلاح بين مجموعة فانه يبتعد، لان الخوف العقلاني عنده أبعده عن ذلك، فقد رأى خطرا وأدركه". وهناك صنف ثاني من الخوف وهو الخوف نتيجة حالات مرضية. وهذا يمكن علاجه عن طريق العلاج النفسي.

أجيال الخوف

لكن الخوف داخل المجتمع العراقي مختلف ومر بثلاث مراحل. حسب الدكتور قاسم: وهي المرحلة الأولى خلال فترة السبعينات والستينات وما قبلها " كانت مخاوف العراقيين لا تختلف عن أي مجتمع آخر. المخاوف تغيرت منذ بداية الثمانينات وحتى عام 2003 عندما نشأ نوع جديد من الخوف. عن ذلك يقول الدكتور قاسم" أتذكر عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980. كان البيان الأول (عدد قتلانا ستة). وحينها تأسفنا لذلك. بعد ذلك ظهر برنامج "صور من المعركة"، والذي كان يعرض صورا لأشلاء القتلى. تراجعت بعدها قيمة الحياة أمام قيمة الموت". ويضيف الدكتور قاسم" في الحرب العراقية الإيرانية ازداد الخوف من الجبهة فمن يذهب إلى هناك يبقى هو وحظه".

Irak Bombenanschläge Bagdad
صورة من: picture-alliance/dpa

فترة التسعينات شهدت تغيرا في طبيعة المخاوف. عن ذلك يقول الخبير النفسي العراقي "في اختبار أجريناه على مخاوف الأطفال، طلبنا منهم الرسم، حينها رسم كل الأطفال صواريخ وقنابل تسقط على رؤوسهم. وخلال هذه الفترة ملأت عقولهم الكوابيس". فالمخاوف خلال هذه الفترة كان مصدرها واضح ومحدد، هو الخوف من الموت. إذ يضيف " المخاوف كلها كانت تدور حول البقاء، لأن أكبر المخاوف عند الإنسان هو الموت".

بعد عام 2003 تعددت مصادر الخوف وأصبحت مجهولة. ووصل الحال داخل المجتمع العراقي، إلى أن رب البيت يودع عائلته، عندما يخرج من بيته لأنه "لا يعلم أن كانت ستكتب له العودة أم لا". ولان أسباب الموت تعددت. حسب رأيه، ويضيف "كلما يكون مصدر الخوف مجهولا تزداد المخاوف عند الإنسان". كما أن الحديث داخل الأسرة أصبح يدور حول السلامة وتوديع الأب، ما ترك آثاره على نفسية الأطفال.

اللامبالاة تجاه الموت

أشار الدكتور قاسم إلى دراسة أجريت عام 2006 من قبل منظمة الصحة العالمية حول الأمراض النفسية عند العراقيين، إلى أن معدل انتشار هذه الأمراض ضمن المعدل الطبيعي عالميا. إذ يصل معدلها إلى 16 بالمائة بينما المعدل الطبيعي هو 18 بالمائة. هذه النتيجة تعتبر مفارقة. حسب رأيه. ويفسرها بالقول:" إن الإنسان تعود على الخوف بعد أكثر من ثلاثين عاما من الحروب والمخاطر. فالإنسان العراقي تكيف مع المخاوف وبدأ يتعايش مع الموت. ولم يعد يبالي (careless) بل إن العراقيين تعودوا على الموت، فبعد الظهر يذهبون إلى حفل زفاف وفي صباح اليوم التالي يذهبون إلى مأتم. ويتصرفون بشكل مختلف في كلا الحالتين". وأشار إلى أن الخطر الأكبر يكمن عند الأطفال الذين تصاحبهم المخاوف خلال الكوابيس.

Irak Schule Kurdistan Kurdische Schülerin
صورة من: picture-alliance/dpa

سيكولوجية السلطة

تناول كل من الفن والأدبموضوع الخوففي العديد من الأعمال الكلاسيكية بالإضافة إلى المعاصرة. تعتبر قصة (موت موظف) للأديبالروسي أنطوان تشيخوف أبرز الأعمال الأدبية التي تناولت الخوف، بعدما انقلبت حياة بطل القصة الموظف البسيطايفان، إلى كابوس نتيجة سقوط رذاذ عطسته على صلعة الجنرالالجالس أمامه في المسرح.

هيمنت عليه المخاوف حتى قضت عليه بالنهاية، وكل ذلك بسبب القلق الذي إثارته عطسته على صلعة الجنرال. والأدب العراقي عالج موضوع الخوف أيضا. والذي كان يستخدمه نظام البعث للسيطرة على الشعب. الدكتور قاسم يقول" إن هذه سيكولوجية السلطة، واستخدمت على مدى 1400 عام. هدفها الرئيسي هو إثارة مشاعر الخوف. وهي سياسة اتبعت منذ العصر الأموي وحتى يومنا هذا. خاصة عندما يكون هناك دكتاتورية أو رجل واحد طاغية " . ويضيف "كانت علاقة السلطة العراقية مع الشعب علاقة سادية مازوخية. سادية لان الحاكم يثير الرهبة والخوف داخل الشعب، ومازوخية لان الشعب كان يستكين ويعبر عن حبه للقائد بطريقة أو بأخرى، حتى لو كانت أعمال القائد مؤذية".

ويشير إلى أنه لا يمكن للحاكم أن يبقى في السلطة إن لم يثر مشاعر الخوف في نفوس شعبه. "الحاكم عندما يستعمل السادية ضد الآخر فهو يهدر كرامته وهذا هو هدفه الحقيقي". ويرى أن ما حدث ويحدث خلال الثورات العربية هو نتيجة التغلب على الخوف من قبل الشعوب، فقد انتصرت على مخاوفها وأسقطت الأنظمة.

Irak Proteste Basra
صورة من: AP

بارانويا سياسية

وينتقد الخبير النفسي ورئيس جمعية الأطباء النفسانيين العراقيين الساسة العراقيين بالقول"كل الفرقاء الآن في العراق يعيشون باراونيا سياسية وتعني الشك بالآخر. ويحملون شعار" أتغدى بصاحبي قبل أن يتعشى بي". ويؤكد على أن البرلمان العراقي لم تأتي به أميركا، بل "أن ثلثي الشعب العراقي المغيب وعيهم والذين شعروا الآن بالنتيجة وعضوا أصابعهم البنفسجية ندما على ما ارتكبوه". وحسب رأيه فأن السبب في هذا التوزيع السياسي هي مشاعر الخوف التي أثارها الساسة خلال الانتخابات، وهي المخاوف من الجهة الأخرى. لا ينتخب المرء الآخر من العشيرة الأخرى أو الطائفة الأخرى حتى لو كان يحمل جائزة نوبل بالاقتصاد، بل ينتخب شيخ عشيرته".

هادي ناصر سعيد الباقر رئيس منظمة السلام الأخضر في العراق قال" إن العراقيين بعد عقود من الخوف حاولوا خلالها مرات عديدة أن يغيروا من الواقع. ولكنهم فشلوا، فتراكمت لديهم حالة من اليأس، ثم الخوف. ويشير إلى اللغة الدارجة العراقية، موضحا بالقول (أنا أردت القدوم لكني خفت أن لا أقابلك، مفردة الخوف تدخل في كلامنا بشكل تلقائي".

مثلما أشار الدكتور قاسم إلى تأثير كل هذه المخاوف على الطفل العراقي انتقدت الناشطة الاجتماعية السيدة وقار هاشم المقيمة في السويد الأسلوب المتبع في التربية داخل الأسرة العراقية وتعني به "أسلوب التخويف وليس الاحترام، المتبع من قبل الأب والأم والمدرسة" وتؤكد على أنه يجب احترام إنسانية الطفل فهو إنسان له قيمة مساوية. بل إنها انتقدت حتى أسلوب السرد القصصي للأطفال من قبل الأم أو غيرها. وتقول "شائع في العراق خوف الطفل من الشرطي. فالعائلة تخاف منه أيضا، كون الشرطي جهاز لقمع ومعاقبة المواطنين الأم تخوف طفلها من الشرطي أو من الطبيب" وفي الختام تؤكد الناشطة الاجتماعية أن الأدهى من كل ذلك، هو تخويف الفتاة المضاعف من الرجل أيا كان، بدأ من الأب وانتهاء بأي رجل في الشارع.

عباس الخشالي

مراجعة:حسن ع. حسين