1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"هذا ما حصدته واشنطن خلال عقدين من الحرب على الإرهاب"!

٢٥ أغسطس ٢٠٢١

يرى خبراء أن أمريكا، بانسحابها من أفغانستان، تطوي صفحة كان فيها "الجهاد العالمي العدو المعلن الوحيد"، لتحول مواردها لاستثمارها في مزاحمة منافسين استراتيجيين، مثل الصين وروسيا. فماذا كانت حصيلة الولايات المتحدة؟

https://p.dw.com/p/3zTXT
New York Terroranschlag 9/11 World Trade Center
صورة من: AP

في 11 أيلول/سبتمبر عام 2001 ضربت اعتداءات ما كان يمكن تصورها الولايات المتحدة التي كانت تعتبر نفسها بمنأى عن كارثة كهذه بعد خروجها منتصرة من الحرب الباردة، فقضت على الوهم المتمثل بمستقبل هانئ. فغرقت الولايات المتحدة ومعها العالم في حرب على الإرهاب ستطغى على العلاقات الدولية مدة عشرين عاماً، قالبة على المدى الطويل موازين القوى في الشرق الأوسط مع عودة بروز روسيا كمنافس استراتيجي وفرض الصين نفسها الخصم الأول لواشنطن.

ويقول إيلي تينيباوم الذي شارك في تأليف كتاب مكرس لهذه الحرب: "نصل اليوم إلى نهاية هذه الجولة الاستراتيجية ونطوي صفحة كان فيها الجهاد العالمي العدو المعلن الوحيد". ويرى هذا الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى عاد ليصبح النموذج العالمي" مع "بروز رهانات دولية أخرى تخفف نسبياً من التهديد الإرهابي" بدءاً بالمواجهة التي تنبئ بحرب باردة جديدة بين واشنطن وبكين.

وللتأكيد أن هذه الحقبة انتهت، حرص جو بايدن على أن يتزامن الانسحاب الأمريكي الكامل من أفغانستان بشكل رمزي مع الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 ، إذ أن الجيش الأمريكي تدخل في هذا البلد غداة الاعتداءات على برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع لمطاردة تنظيم القاعدة الذي نفذها، وطرد حركة طالبان من السلطة بعدما وفرت ملاذاً للجهاديين. إلا ان هذه الخطوة ذات الدلالة الرمزية انقلبت على الرئيس الأمريكي. فعشية ذكرى 11 أيلول/سبتمبر عادت حركة طالبان إلى السلطة في كابول بفضل انتصار خاطف على الجيش الأفغاني الذي كانت واشنطن تعتد بأنها دربته ومولته وجهزته.

مسائيةDW : هل يقبل بايدن تأجيل انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان؟

نهاية حقبة
ويقول مارك غرين الذي كان مسؤولاً جمهورياً عند وقوع الهجمات وهو مدير معهد الأبحاث "ويلسون سنتر" راهناً: "قد نكون وصلنا إلى نهاية حقبة، إلا أن هذه المنطقة من العالم مرشحة مجدداً لاستقبال "متطرفين عنيفين جداً". ويرى غرين المسؤول السابق عن مساعدات التنمية الأمريكية أنه كان من الأفضل إبقاء 2500 جندي أمريكي في أفغانستان للمحافظة على المكتسبات ولا سيما على صعيد حقوق المرأة.

ولأسباب أخرى لا تقتصر على مكافحة الإرهاب، يصب جون بولتون السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة جام غضبه على رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين، الديموقراطيين باراك أوباما وجو بادين فضلاً عن الجمهوري دونالد ترامب الذي كان بولتون لفترة وجيزة مستشاره للأمن القومي. وهو يعتبر أنهم جميعاً استعجلوا فك الارتباط مع أفغانستان لاستمالة رأي عام مل من "حروب الولايات المتحدة التي لا تنتهي".
ويؤكد بولتون بلهجته الاستفزازية المعتادة والذي يدافع عن تدخل الولايات المتحدة في الخارج منذ سنوات: "عشرون عاماً هي نقطة في محيط!". ويقول لوكالة فرانس برس: "لم يفسروا لماذا من الأفضل الدفاع عن انفسنا من التهديد الإرهابي في أفغانستان منه في شوارع الولايات المتحدة وأجوائها". ويرى أن الوجود الأمريكي في أفغانستان "هو بوليصة تأمين تقينا من 11 أيلول/سبتمبر جديد"، محذراً خصوصاً من أن عودة حركة طالبان إلى السلطة قد توفر للحركة الجهادية ملاذات جديدة.

وعلى العكس راهن دونالد ترامب الذي كان أول من قرر الانسحاب ومن ثم جو بايدن، فضلاً عن جزء كبير من الطبقة السياسية الأمريكية، على أن قيام نظام إسلامي متشدد في كابول مجدداً ليس تهديداً حيوياً للولايات المتحدة، في حين أن البقاء في أفغانستان يكبد كلفة سياسية أكبر من الرحيل.

"تعنت أيديولوجي"
ويجدد تغير الوضع المباغت في أفغانستان النقاش حول الإرث المثير للجدل الذي تركه الأمريكيون على بعد آلاف الكيلومترات من ديارهم باسم "الأمن القومي". وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش أطلق مساء 11 أيلول/سبتمبر العبارة الشهيرة "الحرب على الإرهاب". وكان يومها حظي بإجماع المجتمع الدولي، فمع سقوط نحو ثلاثة آلاف قتيل على الأراضي الأمريكية، تعرضت الولايات المتحدة لضربة في الصميم بطريقة غير مسبوقة منذ هجوم بيرل هاربور العام 1941 وكان يفترض بها الرد.
ونقل العام 2001 العالم إلى الألفية الجديدة بعد عقد التسعينات الذي اكتسبت فيه الولايات المتحدة لقب القوة العظمى الرئيسية الخداع بعض الشيء. فقد فرض انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج وانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية فكرة تفوق ايديولوجي وعسكري أمريكي. ويرى أندرو باسيفيتش رئيس معهد "إينستيتوت فور ريسبنسبل ستايتكرافت" للدراسات، الذي يدعو إلى ضبط النفس على صعيد السياسة الخارجية، أن "هذا التعنت الأيديولوجي" و "هذه القناعة بأن القوات الأمريكية باتت لا تقهر" دفعتا "بوش والمحيطين به إلى اعتبار 11 أيلول/سبتمبر صفعة لا تغتفر بل أيضاً ليظهروا من دون أدنى شك" قوة الولايات المتحدة المطلقة.

وطرح الرئيس الأمريكي تعريفاً فضفاضاً جداً "للحرب على الإرهاب" محاطاً بمحافظين ومؤيدين للتدخلات الخارجية عازمين لنشر النموذج الديمقراطي في العالم. وقال يومها "إما أن تكونوا معنا أو تكونون مع الإرهابيين"، معلناً "حملة طويلة غير مسبوقة على كل الأنظمة الداعمة للإرهاب".

"محور الشر"
في كانون الثاني/يناير 2002 وبعد الإطاحة بنظام طالبان وتوجيه ضربات موجعة إلى تنظيم القاعدة، حدد بوش "محور الشر" بعيداً جداً عن الهدف الأساسي، يضم إيران والعراق وكوريا الشمالية. وظناً منها أنها لا تزال تتمتع بتعاطف عالمي مع الولايات المتحدة  تبلور مساء 11 أيلول/سبتمبر، انخرطت إدارة بوش في مسار محفوف بالمخاطر أوصل إلى الحرب في العراق، متهمة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين -من دون أدنى دليل- باخفاء أسلحة دمار شامل.

إلا أنها كانت مخطئة. ويوضح إيلي تينيباوم: "تلاشى الإجماع سريعاً جداً وراحت صورة الولايات المتحدة تتراجع مع انحراف الحرب على الإرهاب عن مسارها". فالغزو الأمريكي للعراق العام 2003 أثار استياء عارماً لدى جزء كبير من الرأي العام العالمي و"سيسمح بعودة الحركة الجهادية العالمية التي كانت أضعفت بعد 2001". وبرز جيل جديد من الجهاديين يضم شباباً من المنطقة فضلا عن غربيين أتوا "لمواجهة قوى الاحتلال" بعد سقوط صدام حسين. وبعد عشر سنوات على ذلك ترك انسحاب الأمريكيين فراغاً سمح بازدهار تنظيم الدولة الإسلامية وإعلانه "دولة الخلافة" في مناطق عراقية سورية. واضطرت الولايات المتحدة إلى العودة اعتباراً من 2014 على رأس تحالف عسكري دولي.

ثمن باهظ
إلا أن حصيلة الحرب على الإرهاب أتت متفاوتة. فقد قضى فيها أكثر من 800 ألف شخص مع دفع المدنيين العراقيين والأفغان الثمن باهظاً. وكلفت الولايات المتحدة 6400 مليار دولار، على ما جاء في دراسة نشرتها نهاية 2019 جامعة براون. قد لا تكون تكررت هجمات شبيهة بـ 11 أيلول/سبتمبر، إلا أن اعتداءات لافتة لتنظيم "الدولة الإسلامية" أدمت أوروبا كما حصل في باريس العام 2015، فيما التهديد الإرهابي متواصل مع أنه أقل تركزاً. فعدد الجهاديين في العالم اليوم أكثر بثلاث مرات عن عددهم في 2001 بحسب تقديرات عرضها إيلي تينيباوم.

أما صورة الولايات المتحدة فقد تلقت ضربة. فاللجوء إلى التعذيب وفتح سجن غوانتانامو لحرمان المتهمين من ضمانات الدستور الأمريكي وتعميم "الاغتيالات الهدافة" بواسطة طائرات مسيرة في دول أخرى، أسقطت أحياناً صفة دولة القانون عن أقوى دولة في العالم. وتضع مرسين الشمري خبيرة شؤون الشرق ألأوسط في بغداد حصيلة مريرة: "سكان المنطقة يطغى عليهم عنصر الشباب الذين لا يعرفون إلا هذه الصورة عن الولايات المتحدة فهم لا يذكرون 11 أيلول/سبتمبر". وتضيف هذه الباحثة في كلية هارفرد كينيدي أن "11 أيلول/سبتمبر تسببت بحربين غيرت إلى الأبد موازين القوى في المنطقة".

التنافس الاستراتيجي بدلاً من مكافحة الإرهاب؟
وترى أن إضعاف العراق أدى –في مفارقة- إلى تعزيز "قوة إيران إقليمياً"، دافعة "المملكة العربية السعودية إلى التحرك في منافسة كان لها آثار كارثية" متحدثة خصوصاً عن النزاع غير المباشر بين البلدين في اليمن. ويظهر توافق نسبي اليوم على أن الحرب على الإرهاب خرجت عن هدفها الأساسي. ففي حين سمحت هذه الحرب في بداياتها بتخفيف التهديد، لم تنجح الدول الغرية "في إدارة مرحلة فرض الاستقرار في هذه الدول ما أدى إلى سأم سياسي من الحروب" بحسب تينيباوم.

وحتى جون بولوتون يأسف لهذا المسعى إلى "بناء الأمم" بأي ثمن بدلاً من الاكتفاء بأهداف بسيطة تتمثل بمكافحة الإرهاب. وأكد الرئيس بايدن في معرض تبريره للانسحاب من أفغانستان رغم المستجدات على الأرض، أن على الولايات المتحدة أن تحول مواردها لاستثمارها في مزاحمة "منافسين استراتيجيين مثل الصين وروسيا".

فقد اعتبرت إدارة بايدن الصين "التحدي الجيوسياسي الأكبر في القرن الحادي والعشرين" على حساب مكافحة الإرهاب، وذلك في انسجام مع الغالبية العظمى من المسؤولين والدبلوماسيين والمثقفين الأمريكيين. ويقول أندرو باسيفيتش: "ننحرف راهناً باتجاه حرب باردة جديدة مع الصين. إننا ننزلق فعلاً إلى مسرح جديد حيث ستستأنف جهود المحافظة أو استعادة التفوق الأمريكي".
م.ع.ح/خ.س (أ ف ب)

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد