1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

دبلوماسية الاقتصاد.. من يرغب بالاستثمار في سوريا الآن؟

٢٠ يونيو ٢٠٢٣

تشير التطورات الأخيرة إلى أن العديد من دول العالم ترغب في التطبيع مع سوريا، رغم ضلوع دمشق في ارتكاب جرائم حرب. وإزاء ذلك، فما هي الدول الراغبة في الاستثمار بسوريا؟

https://p.dw.com/p/4SlQs
صور الرئيس السوري معلقة في منطقة طالها الدمار في حمص
يقول نشطاء سوريون إنه في الوقت الذي يزداد فيه ثراء الحكومة، فإن معاناة السوريين العاديين تتفاقمصورة من: Omar Sanadiki/REUTERS

تسبب وجود مصان نحاس، رجل الأعمال السوري المُقرب من الرئيس بشار الأسد، في باريس مؤخرا في حدوث ضجة، لكنها لم تكن كبيرة.

وكان وجود نحاس، وهو عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، في باريس يعود إلى مشاركته في القمة الاقتصادية العربية الفرنسية الرابعة التي عُقدت في منتصف مارس / آذار، فيما أشارت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" إلى أن القمة انعقدت برعاية الرئيس الفرنسي.

وخلال تواجده في باريس، التقطت صورا تُظهر نحاس بجوار كبار المديرين التنفيذيين الفرنسيين؛ وهو الأمر الذي أثار الجدل بين  نشطاء سوريين  وتساؤلات حول كيفية دخول مسؤول الالسوري إلى فرنسا في ظل العقوبات الأوروبية على سوريا؟

بيد أن السؤال الأهم يتمثل في أنه: هل يُنظر إلى وجود نحاس في باريس باعتباره دلالة أخرى على قرب استعداد العالم لتطبيع العلاقات التجارية مع سوريا ، رغم العزلة الدبلوماسية لأكثر من عقد جراء ضلوع الحكومة السورية في جرائم الحرب منذ إندلاع الثورة السورية عام 2011؟

التطبيع مع سوريا؟

وخلال الأسابيع التي تلت تواجد نحاس في باريس، تزايد القلق حيال قرب التطبيع التجاري الدولي مع سوريا بعد السماح لدمشق بالعودة إلى الجامعة العربية مطلع مايو/ أيار الماضي عقب إنهاء تعليق عضويتها لأكثر من عشر سنوات.

تزامن ذلك مع ذكرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" من لقاء جمع رئيس اتحاد الغرف السعودية حسن بن معجب الحويزي برئيس اتحاد غرف التجارة السورية محمد أبو الهدى اللحام على هامش مشاركتهم في  مؤتمر الأعمال العربي الصيني  المنعقد بالرياض.

وأضافت واس أن الجانبين اتفقا على "إعادة فتح مسار التعاون الاقتصادي واستئناف الأنشطة والفعاليات التجارية والاستثمارية بين الجانبين، بالتزامن مع انفتاح سوريا على محيطها العربي".

حرفي يعمل في ورشته بمدينة الرقة السورية 20.05.2023
بعد أكثر من عقد من اندلاع الأزمة السورية يعيش حوالي 90 بالمائة من السوريين تحت خطر فقرصورة من: DELIL SOULEIMAN AFP via Getty Images

ولا يتوقف الأمر على المحيط العربي لسوريا، إذ بعد وقت قصير من وقوع الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، وقعت الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي اتفاقية تعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري "بحضور القائم بأعمال السفارة الإيطالية في سوريا ماكسيميليانو دانتونو، وذلك لدعم المتضررين من الزلزال، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لهم"، وفقا لما ذكرته سانا.

يشار إلى أن الهلال الأحمر العربي السوري يعد منظمة إنسانية ذات روابط بالحكومة السورية، فيما يُعتقد أن إبرام اتفاقية التعاون مع الجانب الإيطالي هو الأول من نوعه مع دول أوروبية منذ اندلاع الثورة السورية.

ورغم هذا الزخم الكبير، إلا أن خبراء أوضحوا أنه من الصعب تحديد مدى واقع هذا الحديث عن المزيد من التعاون مع سوريا على أرض الواقع.

فعلى سبيل المثال، تبدو واقعة تواجد مصان نحاس في باريس بعيدة كل البعد عما بدا عليه الأمر، إذ ذكر موقع "سوريا ريبورت" أو "تقرير سوريا" الإخباري الاقتصادي أن  سوريا  لا تلقى حظوة في الاتحاد الأوروبي، حيث أشار الموقع إلى أن نحاس ليس مدرجا في قائمة تضم أكثر من 320 شخصية سورية تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي.

وكتب الباحث في الموقع، بنجامين فيفي، إن مشاركة نحاس "في هذه القمة تبدو وكأنها خطأ (دبلوماسي) من جانب الفرنسيين أكثر من كونها محاولة خادعة للتطبيع مع  النظام السوري".

وذكر خبراء تحدثوا مع DW بأن التصريحات الأخيرة الأخرى حول زيادة التجارة والاستثمار في سوريا تتطلب الكثير من التدقيق.

وفي مقابلة مع DW، قال الخبير الاقتصادي والباحث في معهد تشاتام هاوس البريطاني، زكي محشي، إنه رغم عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إلا أن ثلاثة أسباب رئيسية وراء عدم إحتمالية أن تنظر دول مثل السعودية والإمارات الأردن والعراق إلى ضخ استثمارات في سوريا بالأمر الإيجابي.

وأضاف أن السبب الأول يتمثل في شكل  العقوبات الدولية  واسعة النطاق على سوريا، لأنها تنطبق أيضا على أي طرف ثالث يتعامل مع سوريا. فيما يتوقع أن يصبح الأمر أكثر إشكالية في حالة إقرار الكونغرس الأمريكي مشروع "قانون محاربة التطبيع مع نظام ‫الأسد لعام 2023".‬

نائب وزير الخارجية السعويية وليد الخريجي يستقبل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في مطار جدة
زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مؤخرا السعودية في أول زيارة من نوعها منذ 12 عاماصورة من: SAUDI PRESS AGENCY/REUTERS

وأشار محشي إلى أن السبب الثاني يكمن في أن بيئة الأعمال والاستثمار في سوريا ليست جذابة في ظل حالة عدم الاستقرار والفساد، مضيفا أن السبب الثالث هو أن كافة أشكال الاستثمارات السريعة المربحة خاصة في قطاعي النفط أو الغاز باتت في أيدي الروس والإيرانيين".

الأمر ليس مربحا

بدوره، قال روبرت موجيلنيكي الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن: لا يوجد الكثير من أشكال الاستثمار في سوريا، مضيفا أن الأمر ينطوي على "بعد سياسي".

وأضاف في مقابلة مع DW أن الدوافع السياسية ترمي إلى الحد من النفوذ الإيراني في سوريا وتقليص النشاط السوري الضخم غير المشروع في عمليات تهريب مخدر الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاغون الذي بات مصدر قلق لدول الخليج ودول المنطقة.

وأشار إلى أن دول الجوار السوري التي تستضيف ملايين اللاجئين ترغب في عودة الاستقرار إلى البلاد بهدف تمهيد الطريق أمام عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

ولهذا يرى خبراء أنه حتى في وجود احتمال ضئيل لضخ استثمار مباشر في سوريا في الوقت الراهن، فإنه من المحتمل أن تتمكن دول الخليج من إرسال المزيد من الأموال إلى  سوريا  شريطة تخفيف العقوبات الغربية تدريجيا وهو الأمر غير المرحج، أو أن يتم ذلك عبر الوكالات الإنسانية الدولية مثل الأمم المتحدة.

وبدروه، أشار الخبير الاقتصادي السياسي والزميل البارز في معهد "نيو لاينز"، كرم شعار، إلى أن هناك نوعا من الاستجابة الإنسانية داخل منظومة الأمم المتحدة تُسمى "التعافي المبكر"، مضيفا أن "التعافي المبكر غير محدد بشكل جيد". وقال في مقابلة إذاعية إن هذا الأمر ينطوي على "ثغرة" يمكن أن تستغلها دول الخليج  التي تريد إرسال أموال إلى سوريا دون الخضوع للعقوبات.

فرصة أمام الصين

يشار إلى أن هناك أطرفا دولية أخرى مثل الهند أو البرازيل قد تقدم على الاستثمار في سوريا، لكن جاي بيرتون، أستاذ الشؤون الدولية في كلية بروكسل للحوكمة، قال إنه من المرجح "أن تكون الشركات الخاصة من هذه الدول حذرة بشأن الاستثمار في سوريا بالنظر إلى مخاطر ذلك".

بيد أن خبراء يقولون إن الصين قد تكون المستثمر المحتمل الرئيسي في سوريا، خاصة بعد أن وافقت الأخيرة على الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية في أوائل عام 2022 فيما ناقش ممثلو الحكومتين الصينية والسورية تنفيذ مشاريع في مجالات النقل والصناعة والاتصالات.

نازحون سوريون في لبنان ينتظرون على الحدود للعبور إلى سوريا
فر ملايين السوريين من بلادهم إلى دول الجوار وخاصة لبنان وتركيا والأردن وإلى مصر ودول أوروبيةصورة من: Bilal Hussein/AP/picture alliance

ومع ذلك، يقول الخبراء إن الأمر يحمل في طياته الكثير من التصريحات، لكن دون انخراط عملي على أرض الواقع. وفي هذا السياق قال بيرتون في مقابلة مع DW إن "السوريين أعربوا عن اهتمامهم القوي بالاستثمارات الصينية، فيما كان الصينيون منفتحين على هذه المناقشات. لكن في حالة المقاربة الإيرانية، فإن (إيران) الخاضعة لعقوبات دولية تجري محادثات لتعزيز علاقتها مع الصين. لكن ورغم ذلك، فإن مستوى الاستثمار الصيني الفعلي في إيران مازال ضئيلا للغاية رغم توقيع اتفاقية مدتها 25 عاما قبل سنتين".

ويتفق في هذا الرأي روبرت موجيلنيكي الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، قائلا  إن "الانخراط الاقتصادي للصين في الشرق الأوسط يتركز بشكل كبير في الاقتصادات الكبيرة". وأضاف "يُقال إن الصينيين يرغبون في استغلال هذا الفراغ في السلطة، لكن أعتقد أن هناك ترددا أكبر بكثير مما يعتقده الكثيرون".

وفيما يتعلق بأوروبا، قال الخبير الاقتصادي والباحث في معهد تشاتام هاوس البريطاني، زكي محشي، إن الأيام المقبلة قد تشهد بعض التراخي في مواقف  الشركات الأوروبية  تجاه سوريا، لكن سوف ينطوي الأمر على سرية.

وأضاف "أعرف العديد من رجال الأعمال في دول أوروبية مثل اليونان أو إيطاليا أعادوا بالفعل بناء علاقاتهم التجارية داخل سوريا، لذا فإن هناك أنواعا من المعاملات الفردية بين أوروبيين وسوريين، لكن بطريقة غير مباشرة. فعلى سبيل المثال، قد تكمل شركة أوروبية صفقة تجارية باستخدام وسيط مقره في دولة خليجية".

الموقف الأوروبي؟

يعتقد محشي أن التغيير التدريجي في الموقف الأوروبي ناجم عن أن الدول العربية على ما يبدو استسلمت لحقيقة مفادها أنها ستحتاج إلى التعامل مع الأسد بهدف تحقيق الاستقرار في سوريا.

وقال إن هذا الموقف تم تسليط الضوء عليه خلال "مؤتمر بروكسل السابع حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" الأسبوع الماضي، مضيفا "كان هناك الكثير من الحديث حول مساعدة السوريين على حل مشاكلهم بأنفسهم مع التركيز على القطاع الخاص".

وخلال المؤتمر الذي حمل عنوان "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، تعهد المانحون بتقديم 9,6 مليار يورو (10,3 مليار دولار) على شكل منح وقروض لدعم الشعب السوري داخل وخارج البلاد.

ورغم ذلك، شدد الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على أن التكتل "لم يغير نهجه السياسي تجاه سوريا وسيبقي على العقوبات على نظام الأسد، مضيفا "لسنا على نفس خط جامعة الدول العربية، لكن هذا لا يعني أننا لن نستكشف أي إمكانية لتحسين الوضع في سوريا... وكما تعتقد الجامعة العربية من سياستها الجديدة [تجاه سوريا] يمكن أن تحقق بعض النتائج، فإننا سوف ندعمها".

كاثرين شاير / م. ع