1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

دول الخليج..بين مطرقة تغير المناخ وسندان الاعتماد على النفط

٢ نوفمبر ٢٠٢١

تقف دول الخليج العربية أمام سيناريوهين أحلاهما مرّ بسبب توقعات انخفاض الإقبال على الوقود الأحفوري ما يهدد استقرارها السياسي. في المقبل قد يؤدي ارتفاع حرارة الأرض لجعل هذه الدول غير صالحة لعيش البشر وفق صحيفة واشنطن بوست.

https://p.dw.com/p/42SsB
منصة لتكرير النفط في السعودية
يعد النفط شريان حياة للأنظمة الملكية الخليجية لكن أزمة تغير المناخ قد تخلق لها مشكلة وجوديةصورة من: picture-alliance/dpa/V. Christian

ربما لا يثير التحول العالمي في مجال الطاقة الحيرة في أي مكان أكثر مما يفعل في شبه الجزيرة العربية، حيث تجد السعودية ودول الخليج العربية الأخرى نفسها بين سيناريوهين مروعين لتغير المناخ يهدد كليهما كيانها.

فوفق السيناريو الأول، سيتوقف العالم يوماً ما عن حرق الوقود الأحفوري لخفض الانبعاثات المسببة لاحترار الأرض، وهو الأمر الذي سيهز أساس اقتصادات تلك الدول بقوة. ومن ناحية أخرى، تستمر درجات الحرارة حول العالم في الارتفاع، مما سيؤدي إلى جعل الكثير من تضاريس الخليج - شديدة الحرارة بالفعل - غير صالحة لعيش البشر، بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.

ويقوم الاستقرار السياسي لدول الخليج الست ـ السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين وعمان - على أرباحها المتحصلة من مبيعات الوقود الأحفوري.

يقول جيم كرين، مؤلف كتاب "ممالك الطاقة: النفط والبقاء السياسي في الخليج الفارسي": "يكاد التغير المناخي يشكل أزمة وجودية لنظام ملكي مطلق قائم على الاستفادة من صادرات النفط.. هذه الدول بحاجة إلى التعامل مع مسألة المناخ بشكل فعال دون تدمير سوق النفط وهو أمر معقد بالفعل".

ضخ النفط لآخر قطرة!

وفي إطار التعهد بخفض الانبعاثات الغازية "تصفير الانبعاثات" كما أعلنت السعودية والإمارات والبحرين هذا الشهر، سيتم خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري داخل حدود تلك الدول مع الحفاظ على صادرات الوقود الأحفوري إلى الخارج.

وأطلق ولي العدي السعودي محمد بن سلمان الذي شارك في جزء من مؤتمر الرياض، "العصر الأخضر" لبلاده التي ستزيد من إنتاجها النفطي إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول 2027.

كيمياء المستقبل: الاستغناء عن الوقود الأحفوري؟

كما أعلنت السعودية، التي تغطي نحو عُشر الطلب العالمي على النفط، عن إعلانها بخفض انبعاثات غازات الدفيئة هذا الأسبوع أثناء استضافتها أول منتدى رئيسي لتغير المناخ. وحدد ولي العهد عام 2060 ليتم تحقيق هذا الهدف. كان ذلك إعلاناً ذا أهمية بالفعل يصدر عن دولة تبلغ احتياطياتها النفطية نحو 265 مليار برميل بقيمة 22.5 تريليون دولار بالأسعار الحالية.

بيد أن المملكة "النفطية" أعربت عن تصميمها على ضخ النفط حتى آخر قطرة، دون أن تجد فائدة أخرى لأكبر مواردها الطبيعية في عالم بدأ يدار بأشكال أنظف من الطاقة المتجددة.

النفط كأساس للحكم ومصدر للاستقرار

وتستخدم دول الخليج عائدات النفط للحفاظ على الدعم المحلي، وشراء النفوذ الإقليمي، وتوسيع النفوذ، كما ساهمت تلك الأموال في تكوين جيوش وطنية وأيضاً وفرت للمواطنين وظائف مريحة في القطاع العام، ورعاية صحية مجانية وتعليمًا راقياً، ووقودًا مدعومًا ومعاشات تقاعدية سخية.

ويضيف جيم كرين، الذي يعمل أيضاً زميلاً دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة في تكساس، إنه من دون هذا الأسلوب في الحكم، قد تضطر ممالك الخليج إلى السماح بمشاركة سياسية أكبر أو أن تصبح دولاً أكثر قمعية.

وتهيئ دول الخليج العربية - التي تتعهد بانبعاثات "صفرية" - نفسها لتكون جزءًا من صناعة الطاقة النظيفة التي تبلغ تكلفتها عدة تريليونات من الدولارات، حتى مع استمرار جنيها الأرباح من النفط والغاز.

وفي منتدى المبادرة الخضراء السعودية في الرياض، قال جون كيري - مبعوث الرئيس جو بايدن للمناخ - أمام حشد من الأمراء ورؤساء الوزراء من جميع أنحاء المنطقة أن العمل المناخي يمكن أن يخلق "أكبر فرصة سوق عرفها العالم على الإطلاق"، وأضاف أن هذا سيكون "هو أكبر تحول حدث على الإطلاق على هذا الكوكب، منذ الثورة الصناعية، إذا فعلنا ذلك".

وتقول إيلين والد، الزميلة البارزة في المجلس الأطلسي ومؤلفة كتاب "شركة السعودية"، إن التعهدات بالوصول إلى "الصفر" تمكّن النخبة الحاكمة في الخليج بشكل حاسم من ممارسة نفوذها في مؤتمرات مثل كوب 26، حيث يتم صياغة سياسات العمل المناخي. وتضيف أنه "من المهم بالنسبة للسعوديين أن يجلسوا على الطاولة وأن يؤخذوا على محمل الجد في هذه المؤتمرات لأنهم بهذه الطريقة سيكون لهم رأي في المسألة".

مستقبل محركات الاحتراق

ضغوط خلف الكواليس

وكانت السعودية واحدة من عدة دول مارست ضغوطاً خلف الكواليس قبل قمة كوب 26 لتغيير نبرة الحديث حول انبعاثات غازات الدفيئة، في محاولة على ما يبدو لتخفيف حدة تقرير لجنة العلوم التابعة للأمم المتحدة حول ظاهرة الاحتباس الحراري، وفقًا لوثائق مسربة بحسب ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست.

ولا تقوم السعودية بزيادة الإنتاج النفطي فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا رئيسيًا في تبني صناعات ناشئة تبلغ كلفتها مليارات الدولارات يعتمد بعضها على تقنية "الاقتصاد الدائري للكربون" وتوصف بأنها وسيلة للحصول على هواء أنظف. لكنّ هذه الخطوة لم ترق للمدافعين عن البيئة، فقد ندّدت بها منظمة غرينبيس، واصفة إياها بـ"التمويه الأخضر"، في عبارة بدأ استخدامها منذ فترة وتدل على تضليل المستهلكين حول ممارسات بيئية معينة أو فوائد بيئية لمنتج أو لخدمة ما.

ويقول خبراء إن "الاقتصاد الدائري للكربون"، القائم على سحب الكربون من الهواء والانبعاثات وإعادة استخدامه في منتجات أخرى مثل الوقود والأسمدة، يمكن أن يساعد في تخفيف التلوث بشكل أكبر.

وتقول مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن كارين يونغ لوكالة فرانس برس "قد لا يبدو الاقتصاد الدائري للكربون رائعًا لأولئك الذين يدفعون نحو التخلي عن استخدام المشتقات النفطية، ولكنه طريقة منطقية لإنتاج وقود منخفض الانبعاثات أو عديم الانبعاثات".

ويرى أحمد الدروبي، مدير حملة غرينبيس (السلام الأخضر) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن السعودية لا تزال معقل عصر الوقود الأحفوري رغم "مبادراتها الخضراء" ومشاريعها للطاقة المتجددة التي تمثل جزءًا بسيطًا من الاستثمار الذي يواصلون ضخه في صناعة الوقود التقليدي". ويضيف لفرانس برس أن "موقع السعودية الاستراتيجي، يسمح لها بمواصلة الاستثمار بشكل آمن في الوقود الأحفوري مع مراعاة التأثيرات على المناخ في أفضل الأحوال".

تحذيرات خليجية

وتدعو دول الخليج العربية بشكل خاص وعلني إلى استخدام تقنيات احتجاز الكربون بدلاً من التخلص التدريجي السريع من الوقود الأحفوري، محذرة من أن الانتقال السريع من شأنه أن يترك السكان الأفقر حول العالم دون إمكانية للوصول إلى الطاقة.

في المقابل تنتقد منظمة السلام الأخضر، التي حصلت على الوثائق المسربة، هذا النهج، قائلة إن تقنيات احتجاز الكربون "غير المؤكدة حتى الآن" تسمح للدول بإصدار المزيد من غازات الاحتباس الحراري على افتراض "متفائل" بإمكانية إخراجها من الغلاف الجوي لاحقًا.

وفي الوقت نفسه، فإن شركات الطاقة الوطنية مثل أرامكو السعودية وأدنوك في أبوظبي وقطر للطاقة، تمضي قدمًا في الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات وتعزيز الاستثمارات في المنتجات البتروكيماوية المستخدمة في الأسمدة والبلاستيك والمطاط والبوليمرات الأخرى.

وتتوقع منظمة أوبك أن الدفع نحو استخدام الطاقة البديلة والمتجددة سيؤذن بدخول عصر انخفاض الطلب على النفط في بعض أنحاء العالم، إلا أنه سيظل المصدر الأول للطاقة حتى عام 2045 على الأقل. وتتوقع أن من بين 2.6 مليار سيارة على الطريق بحلول عام 2045، ستعمل 20٪ منها فقط بالكهرباء.

تنويع مصادر الدخل خوفاً من المستقبل

على الرغم من أن دول الخليج الست لا تزال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الوقود الأحفوري في الإنفاق الحكومي، فقد اتخذت خطوات لمحاولة تنويع اقتصاداتها، حيث تقود السعودية والإمارات جهودًا حثيثة لجذب الاستثمار في الصناعات الجديدة. ومع ذلك، يأتي أكثر من نصف عائدات السعودية من النفط، مع توقعات بأرباح تقدر بنحو 150 مليار دولار هذا العام وحده مع ارتفاع الأسعار إلى 85 دولارًا للبرميل.

ويقول جيم كرين إن "صادرات النفط هي شريان الحياة للاقتصاد السعودي والنظام السياسي السعودي.. ستكون كارثة للمملكة إذا تخلى بقية العالم بسرعة عن النفط."

ويشدد علماء على أنه من الواجب الاستثمار في الطاقة المتجددة للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 درجة مئوية)، رغم أن تقريرًا جديدًا للأمم المتحدة وجد أن التعهدات الجديدة للحكومات ليست صارمة بما يكفي للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة تحت هذه الدرجة بنهاية 100 عام.

وتحذر الأمم المتحدة من أنه حتى مع الخفض الشديد في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإنه يُتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في العالم بمقدار 1,5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي بحلول عام 2030، ما يسرّع الاتجاه المدمّر للكوارث المرتبطة بتغير المناخ في جميع أنحاء العالم.

ومن الناحية العلمية، يمكن إلقاء اللوم في ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل شبه كامل على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان. وإذا تم تجاوز الحد الأقصى لهذا الارتفاع، فإن الضرر سيكون لا رجعة فيه بحسب ما يؤكد خبراء.

عماد حسن

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد