1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: هل من السهل أن تكون في العالم العربي خضريًا؟

رشا حلوة
٨ أغسطس ٢٠١٨

في بلد أوروبي مثل ألمانيا، يمكن للمرء أن يمارس إختياراته في الأكل بحرية، كأن يكون خضريا. لكن الإختيار قد يكون صعبا عندما تكون في بلد عربي، كما ترى الكاتبة الصحفية رشا حلوة، وتوضح كيف؟

https://p.dw.com/p/32pbL
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

قبل سنوات كثيرة، عندما زرت صديقة وجهّزت لي وجبة غداء تعتمد على النبتات فقط، استغربت قليلًا، حيث نادرًا ما التقيت في ذاك الوقت بمن يتبّع نظامًا غذائيًا نباتيًا أو خضريًا في محيط عربي. اليوم، نجد الكثير من حولنا قد توقفوا عن أكل اللحوم، وهنالك من توقف عن أكل الأجبان والألبان أيضًا، ويأكل فقط النباتات والحبوب والخضروات والفاكهة، أي كل شيء ما عدا ما يُستخرج من الحيوانات والطيور، إضافة إلى البيض، وعلى نهج الحياة هذا يُطلق الاسم "خضرية".

ازدياد عدد الخضريين، مرفق أيضًا بالنصائح التي تفيد بما يجلب هذا النظام من صحّة، وبنفس الوقت، هنالك جدل متواصل حول مسألة أكل اللحوم النابع من رفض قتل الحيوانات و/أو تعذيبهم من أجل توفير غذاءً للبشر. والتوقف عن أكل اللحوم له أسباب كثيرة، ليس بالضرورة أن تكون جميعها مبدئية رافضة لقتل الحيوانات، هنالك من يتبع نظام الغذاء الخضري لأنه أكثر صحّة للجسد والنفس، لكن أكثر النقاشات حدّة في العالم اليوم، هي قضية حق الحيوانات بالحياة، وكذلك مسألة صناعة اللحوم وازديادها التي تعتمد على طرق "غير طبيعيّة" للعناية بالحيوانات والطيور.

في الدول العربية، هنالك ازدياد بالوعي إزاء نظام الغذاء النباتي والخضري، لكن ما زالت هنالك صعوبة وتحديات يمرّ بها الخضريون إزاء نهج حياتهم هذا. هذه التحديات مربوطة بالمجتمع والعائلة وأنماط الأكل التي تعتمد كثيرًا على اللحوم بشكل خاصّ، مع أن هنالك ادعاءات مختلفة، خاصة من الخضريين والنباتيين، بأن الأكل العربي، خاصّة الشامي، هو بأساسه نباتي، قبل أن تدخل صناعة اللحوم إلى بيوتنا، كما أنه يمكن أن تُطبخ كافة المأكولات بلا لحوم، بلا أن تنتقص من طعمها الذكي، حسب تعبير صديقة تعمل بالطبخ.

في حديث مع أمل ديب، والتي اختارت الخضرية لأسباب صحّية ذاتية، نفسية وجسدية، بالإضافة إلى صحّة البيئة والكوكب والحيوانات، ترى أمل أن هنالك ازديادا بالوعي تجاه الخضرية في العالم العربي، وتضيف: "كما أنه بدأ تقبل أكثر للفكرة، حتى في المطاعم، الناس تعرف أكثر ماهية الأمر، لكن لا يمكن أن أعمم بالطبع. هنالك مطاعم، على سبيل المثال في الإمارات، توفّر الأكل النباتي والخضري، وهنالك أيضًا مطابخ غنية بالأكل الخضري، مثل المطبع المشرقي والشامي خاصّة، هذا طبعا مع وجود تحديات فردية للشخص الخضري".

كانت قد عاشت أمل فترة ما في برلين، في حديث عن تحديات الخضريين في الدول العربية مقارنة في أوروبا، قالت: "أعتقد أن مع موجة الهيبيز  Hippiesفي السبعينات في أوروبا، المتأثرة بالثقافة الشرق آسيوية، الذي مطبخها بغالبيته نباتي لأسباب دينية وغيرها، هذا أثرّ على أوروبا واختيارات الناس بأن يكونوا خضريين. فهذا الوعي المجتمعي للنباتية والخضرية بدأ منذ سنوات عديدة. وهو مدعوم أيضًا بتسهيل المؤسسات والبنى التحتية في أوروبا لاستيعاب الخضرية، بما في ذلك الاقتصاد القوي، مقارنة بواقع العالم العربي اليوم وهمومه السياسية والاقتصادية، التي تجعل من التفكير بمثل هذه القضايا، بمثابة رفاهية".

هنالك ادعاء متكرر من غير الخضريين، أو من حاول أن يجرّب نظام الحياة هذا، بأن من تحدياته هو توفير المواد الخام للطبخ وتجهيز الأكل، وهذا بجزء منه مفهوم، لكني أعتقد أن الأزمة لا تكمن بالمواد، لأنه بالعموم لا يحتاج الأكل الخضري عدا عن الخضروات والحبوب وما إلى ذلك، وهذه الأشياء متوفّرة في الدول العربية، بل أن هنالك قلة معرفة بأنواع المأكولات التي يُمكن أن تُطبخ بلا لحوم، المسألة الثانية، هو أن هنالك صناعة أيضًا، تستخدم الخضرية وهذه الموجة العالمية، إن صح التعبير، لمكاسب تجارية، والتي بإمكانها أن تُشعر المستهلك بأن الخضرية لا يمكن أن تكون لولا منتجات هذه الصناعة.

في حديث مع فرح برقاوي، وفرح لا تأكل اللحوم والأجبان، لكنها تأكل الأسماك والبيض، قالت: "أعتقد أن المواد الأولية للأكل، جميعها موجود في السوق. المسألة تحتاج إلى مجهود ذاتي وإرادة وتبسيط. ما ساعدني هو أن أتعامل ببساطة مع الأكل، عندما أرغب أن آكل سلطة، سأجهز سلطة أساسية من الخضروات، وأحيانًا أطبخ أكلة بسيطة من الخضروات والأرز، وهذا يكفي وكله موجود في أسواقنا، لا من احتياج كبيرة لمواد مستوردة لطبخ مأكولات خضرية".

من الصعب أن تكون بصحبة شخص خضري، خاصّة إذا كان اللقاء حول وجبة طعام، ولا يكون هنالك حديث حول الخضرية أو النباتية. مع ازدياد عدد الناس الذين يتبعون هذا النظام، نجد عند بعض العائلات أن الأمّ تجهز طعامًا نباتيًا أو خضريًا إلى جانب الوجبة الأساسية، أو تجهز نفس الأكلة لكن دون لحمة لابنها/ لابنتها أو لها، إلخ. وبنفس الوقت، نجد من هو من الصعب عليه استيعاب كيف يمكن للإنسان أن يتبع نهج الحياة هذا، ونجد أيضًا من الخضريين الذين يرون بضرورة زيادة الوعي إزاء أهميته.

في حديث مع مرح الأنوار، والتي أصبحت خضرية قبل 5 سنوات، قالت: "جاء قراري هذا بعد تفكير مطوّل ومتعمّق حول أكل لحوم الحيوانات، وبعد الاطلاع على الكثير من الفيديوهات التي توثّق لحظات قتلهم، ببساطة، لم أكن قادرة على احتمال فكرة أنني شريكة في كلّ هذه القسوة!".

بالنسبة لها، الأمر فيه كثير من التحديات، خاصّة في المحيط العربي، العائلي والمجتمعي التي تعيش وسطه، عن هذا تقول: "صعب جدًا، خاصّة أن الخضرية هي مسألة خارجة عن المألوف بالمجتمع نوعًا ما، وعن النمط السائد في الطعام؛ أكل اللحوم هو المتعارف عليه، وعندما أخبرهم أني لا آكل اللحوم، يسألوني لماذا؟ أجيبهم بأني لا أريد أن أقتل الحيوانات ولا أن أكون جزءًا من هذه الجريمة. كأن بكوني خضرية، هذا يسبب تهديدًا لرؤيتهم لذاتهم، عندها يتحوّل الحديث إلى دفاعهم عن الذات، خاصّة إذا جئت من مجتمع مسلم، يرى قسم منه بأنك تحرمين ما أحلّه الله، وكأني أهاجم على الدين من خلال خضريتي".

شخصيًا، لستُ خضرية ولا نباتية، لكن يشغلني دومًا السؤال المبدئي حول الحيوانات، كما ورفضي للتجارة بهم ولأساليب عنايتهم التي بجزء كبير منها هي تعذيب. هذا الانشغال، لم كان ليكون لولا، على الأقل، الأصدقاء الخضريين من حولي، وازدياد الوعي تجاه هذه القضية في حياتنا. على أمل، أن توفّر مجتمعاتنا وكذلك المؤسسات العربية، اتساعًا أكثر للخضرية وتقبّلًا لها، وعلى أمل، على الأقل، أن يتوقف تعذيب الحيوانات بكافة أشكاله.

 

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات