1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

شامة درشول: بـ"الحب"... قتلت كريمة يوتيوب!

شامة درشول
١٦ نوفمبر ٢٠١٦

في مقالها لـDW عربية تتناول المدونة المغربية والباحثة الإعلامية شامة درشول سلوكيات المواطن المغربي في مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلها منبراً لتداول الفضائح والتشهير بضحاياها.

https://p.dw.com/p/2Smnp
المدونة المغربية والباحثة الإعلامية شامة درشول
المدونة المغربية والباحثة الإعلامية شامة درشولصورة من: Privat

"أحب زوجي، ونحن متزوجان منذ ثلاثين سنة، وأنا أسامحه، هو زوجي ولن أتركه ينهار، أنا أحبه، ولن أتركه"... بهذه الكلمات التي خرجت عفوية واثقة، اختارت السيدة كريمة زوجة سعيد الصنهاجي، أحد مغني الفن الشعبي في المغرب، أن تواجه محاولات توريط زوجها في "فضيحة يوتيوب" وتشويه سمعته وقتله فنياً إلى الأبد.

بدأت الحكاية حين انتشر على يوتيوب وباقي الشبكات الاجتماعية شريط فيديو يظهر فيه المغني الشهير عارياً مجرداً من كل ملابسه، ويقوم بحركات وصفت بـ"الشاذة"، أمام بعض من صحبه.

الفيديو الذي انتشر انتشار النار في الهشيم خلق ضجة في العالم الافتراضي المغربي، الكل ندد وسخر وتهكم، والأغلبية تحدثت عن لعنة أصابت فناني المغرب بدأت بقضية سعد لمجرد واتهامه باغتصاب فتاة فرنسية.

القلة فقد تحدثت عن ضرورة احترام الحياة الخاصة للمواطن وللمشاهير، لكن لا أحد في المغرب تجرأ ودعا إلى فتح نقاش حقيقي حول واقع يوتيوب وفيسبوك، وحتى عدد كبير من المواقع التي تحسب نفسها على الصحافة الرقمية، ووضع حدود بين "الخبر"، و"التشهير".

في فبراير/ شباط 2005، أطلق ثلاثة أمريكيين موقعاً افتراضياً أسموه "يوتيوب"، يسمح للمواطنين بنشر مقاطع فيديو من إنتاجهم. في أبريل/ نيسان قام "جاود كريم" أحد مطوري موقع يوتيوب الثلاثة برفع أول مقطع فيديو على يوتيوب تحت عنوان "أنا في حديقة الحيوان"، سنة بعدها ستختار مجلة تايم الأمريكية "يوتيوب" شخصية العام.

انتشر الموقع بقوة، وبدأ المواطنون ينشرون على منصته مقاطع فيديو كوميدية وفنية وموسيقية...الخ، ومع ذلك دول كثيرة لم تتقبل هذا الوافد الجديد، فكانت إيران أول دولة تقوم بحظر يوتيوب في ديسمبر/ كانون الأول 2006 بحجة أنه "مخل بالآداب". وفي يناير/ كانون الثاني 2007 قررت محكمة في البرازيل بوقف موقع يوتيوب لثلاث أيام بسبب نشر فيديو فاضح لمذيعة شهيرة، وفي مايو/ أيار 2007 قررت شركة اتصالات في المغرب بحظر الموقع لتعود بعد خمسة أيام وترفع الحظر بداعي أن الحظر كان مجرد "عطب تقني".

هل ندمت شركة الاتصالات المغربية على قرارها برفع الحظر؟ لا نعرف، لكن ما هو معروف أنه في سبتمبر/ أيلول 2007، أي بعد شهور قليلة من رفع الحظر، انتشر فيديو سُمي "قناص تارغيست"، كانت مقاطعه تظهر سائقي الشاحنات وسيارات الأجرة المارين بهذه المنطقة وهم يقدمون "إتاوات" لرجال الدرك الواقفين هناك لتأمين المكان وليس لجعله مكاناً لقطع الطريق باسم الدولة.

أثار الفيديو عاصفة هوجاء، تناقلت الصحف المغربية فحواه، وأعلن رئيس الدرك عن محاكمة رجاله المتورطين في فضيحة الارتشاء. تساءل الناس ورجال الدرك عمن يكون "قناص تارغيست" الذي هز جهاز الدرك أيامها، لكن بقي السؤال بدون جواب إلى أن مرت سبع سنوات، واختار الظهور في فبراير/ شباط 2013 والكشف عن هويته الحقيقية. وبين 2007 و2013 تغيرت أشياء كثيرة في المغرب، وساهم يوتيوب في التسريع بها.

لكن يوتيوب المغرب، كما هو يوتيوب المشرق، كما هو يوتيوب بلاد الغرب، لا يخلو من الفضائح، إلا أن المقلق في يوتيوب المغربي - والذي يتراوح ترتيبه بين الأول والثاني في أكثر المواقع مشاهدة من قبل المغاربة-، يكاد ينفجر بمقاطع الفيديو القائمة على "الفضيحة" أولاً، وعناوين غريبة من قبيل "شاهد قبل الحذف"، و"فيديو فضيحة فلان"، أحياناً كثيرة تكون العناوين مفبركة لا علاقة لها بالواقع وهدفها فقط إيقاع المشاهد في فخ "الكليك". مصيبة أخرى منينا بها في زمننا هذا هي اننا بتنا نعيش في بورصة كبيرة أسهمها الـ"لايك" والـ"كليك" والـ"مشاهدة" والـ"مشاركة" والـ"تعليق".

وحتى التعليقات، تجدها مليئة بالعنف من سب وشتم أحياناً كثيرة حول موضوع لا علاقة له به بمضمون الفيديو. هذا الفيديو الذي في أحيان كثيرة يكون عبارة عن "قص ولزق" لمقاطع متفرقة تدخلت فيها يد الرقيب ليس بهدف "الحماية" لكن بهدف "التأليب"، حتى أصبح المواطن الرقمي ضحية نفسه.

قرأت ذات مرة في أحد التقارير الأمريكية حول تطور عالم الشبكات الاجتماعية: "أصبحت الشبكات الاجتماعية، التي ابتكرت من أجل منح المواطن منبراً ليدلي من خلاله بصوته بعيداً عن منابر الإعلام التقليدي، ولتساعده على المساهمة في خلق الرأي العام بدل أن يكون هو الرأي العام المختلق، (أصبحت) أداة في يد صناع القرار، الفرق أنهم اليوم يوهمون المواطن أنه هو من يصنع القرار، في حين أنهم هم من يوجهونه إلى صناعة هذا القرار".

"يحيا شعب فيسبوك العظيم"، عبارة يرددها الكثير من المواطنين المغاربة على فيسبوك كلما اندلعت قضية وتحدث عنها الفيسبوكيون كثيراً واستجاب لها صناع القرار في البلاد. لكن لا أحد من هؤلاء الفرحين تساءل يوماً: "أين وصلت القضية؟"، فهم يكتفون بالفرح أنهم أسقطوا وزيراً أو أقالوه، ولا ينتبهون أنه فقط خرج من هذا الباب، ليعود من باب آخر.

ألم أقل لكم إن المواطن الرقمي بات ضحية لنفسه؟

لتعرف المواطن المغربي، فقط تتبع "سلوكه الرقمي" على شبكات التواصل الاجتماعي، ستجد أنه مواطن يكتفي بالفرح في اللحظة، أو بالغضب في اللحظة، ستعرف أنه مواطن مزاجي. الريح التي أتت ستأخذه معها حيثما يريد صانع القرار، بل حتى إن لم تكن صانع قرار وكنت تفهم تركيبة العقل المغربي ستفهم كيف تتعامل معه، وكيف تحوله من وحش يهاجمك إلى وحش يدافع عنك.

خرج المغني الشعبي سعيد الصنهاجي في فيديو يناشد المغاربة بالتوقف عن نشر "الفيديو الفضيحة"، كان سعيد مغربياً قحاً يفهم كيف يفكر المغاربة، قال لهم: "رجاء ارحموني وارحموا أبنائي". يعرف سعيد جيداً أن المواطن المغربي الذي يصفق للفنان ويهلل له هو نفسه الذي سيكيل له كلمات الشماتة حالما يسقط.

ليس الفنان فقط، أي شخصية عامة لن يتردد المواطن المغربي في التنكر لها حالما تهوي، لكن سعيد لم يكن مستعداً ليهوي، فخاطب المغاربة بلغة يفهمونها... الاستعطاف.

يقول لي أحد أصدقائي من الفنانين: "لقد ضيع سعيد فرصة ذهبية ليكون بطلاً يناصر من أجل حق الفنانين والشخصيات العامة في حياته الخاصة في ظل قانون لا يحمي بعد المواطن من المساس بسمعته الرقمية".

أجيبه: "لو كان سعيد قد نطق بكلمة حياة خاصة وحرية فردية لتعاظمت ضده الحملة، سعيد خاطب المغاربة بلغة يفهمونها، ويستجيبون لها".

لم يعد سعيد قادراً على مواجهة خطاب الكراهية والعنف الشديد الذي يسود في يوتيوب المغرب، لكن كريمة زوجته أبانت قدراً كبيراً من القوة والكبرياء وهي تخاطب الجميع عبر قناة رقمية مغربية: "أنا أحب زوجي". اختار سعيد أن يستعطف مهاجميه فكسب شفقتهم، واختارت كريمة أن تقاتل يوتيوب المغرب بالحب، فكسبت احترام الأحرار منهم. أما "المنفوخون" بالكراهية فقد فضلوا الصمت، وانتظروا ضحية "فيديو فضيحة" جديد.