1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عماد الدين حسين: البابا فرانسيس في مصر.. الجميع رابحون

عماد الدين حسين
١١ مايو ٢٠١٧

في مقاله* لـ DW عربية يستعرض الكاتب الصحفي عماد الدين حسين النتائج العملية لزيارة البابا فرانسيس إلى مصر مؤخراً من وجهة نظر مصرية وإسلامية، في رد على المحاولات المستمرة للتقليل من شأن هذه الزيارة التي شكلت ضربة للتطرف.

https://p.dw.com/p/2ckI2
Kolumnisten Emad El-Din Hussein

من يطالع الصحف ووسائل الإعلام المصرية، فإن الخبر الذي يكاد يكون متكرراً بصفة دائمة هو العمليات الإجرامية، التي يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي أو "حسم ولواء الثورة" التابعين لجماعة الإخوان. لكن عناوين الصحف ووسائل الإعلام المصرية كانت مختلفة تماماً في الأسبوع الماضي. كان هناك حديث عن السلام لا الحرب، وحوار الأديان وليس صراعاتها ورحمة الله وسماحته وليس غضبه وانتقامه.

المناسبة هي الزيارة التاريخية التي قام بها بابا الفاتيكان البابا فرانسيس لمصر يومي الجمعة والسبت قبل الماضي للقاهرة، وهى الزيارة الأولى له لمصر، والثانية لباباوات الفاتيكان بعد الزيارة الأولى التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني لمصر عام 2000.

مصر كسبت الكثير من هذه الزيارة، والسلام العالمي كسب أيضاً، وتلقى التطرف والمتطرفين ضربة قوية بإتمام الزيارة، حيث راهنوا على تأجيل أو إلغاء الزيارة بالتفجيرين اللذين ضربا كنيستي مارجرس في طنطا ومار مرقس في الإسكندرية، قبل حوالي ثلاثة أسابيع.

بهذه الزيارة تلقى حوار الأديان دفعة قوية، مقارنة بحالة التوتر الشديدة التي شابت علاقة مؤسسة الأزهر مع الكرسي الرسولي في الفاتيكان في عهد البابا السابق بندكتوس السادس عشر، والذي وجه انتقادات شديدة للإسلام كدين وليس لمجموعة من المتطرفين، الأمر الذي أدى إلى توتر شديد منذ 2007 أعقبه توقف الحوار تماماً عام 2010.

البابا فرانسيس أكثر انفتاحاً على البشر وعلى الأديان منذ تنصيبه، واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الفاتيكان عام 2014، وقبله استقبل البابا تاوضروس بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عام 2013، وفى العام الماضي استقبل أيضاً الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر.

البابا التقى في زيارته الرئيس السيسي في قصر الاتحادية، والتقى بالإمام الأكبر في مشيخة الأزهر في ختام مؤتمر "السلام العالمي" وألقى كلمة أمام رجال السياسة والفكر والمجتمع بحضور السيسي، ثم زار الكاتدرائية المرقسية في العباسية وفي اليوم التالي والأخير للزيارة أدى الصلاة في إستاد الدفاع الجوي بالقاهرة بحضور أكثر من 25 ألف شخص.

البابا فرانسيس لقى حفاوة غير مسبوقة، وحرص رئيس الجمهورية على استقباله، ثم وداعه بالمطار، وكان لافتاً للنظر الصور الباسمة والضاحكة للرجلين في اليوم الأول للزيارة.

كل ما سبق معروف جميعاً لكثيرين لكن السؤال الأهم هو: ما هي النتائج العملية لهذه الزيارة من وجهة نظر مصرية وربما إسلامية.

سياسياً كسبت مصر نقاطاً كثيرة، فالبابا وجه كلمات شكر كثيرة ليس فقط لمصر الدولة والأمة والتاريخ والحضارة والآثار، بل لمصر الحكومة حينما غازل الرئيس السيسي بكلمات واضحة مستخدماً تعبيراته الأثيرة وهي "مصر أم الدنيا" ثم "تحيا مصر"، وموجها أيضاً التحية والتقدير للجهد الذي تبذله الحكومة في مواجهة الإرهاب أو في عملية التنمية.

لكن في المقابل أيضاً لم ينس البابا أن يغازل جماهير 25 يناير حينما ركز على أن الاستقرار عموماً مرتبط بتوفير "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"، وأن المساواة واحترام حقوق الإنسان والحريات الشاملة بما فيها حرية الدين والتعبير هي أمور غير قابلة للمساومة، إذا أردنا بناء حياة سليمة،تواجه التطرف والمتطرفين.

سياسياً أيضاً كسبت مصر نقاطا كثيرة في معركتها لمواجهة التطرف، وهو أمر يشبه "الشيك" الذي يمكن أن تسحبه أو تصرفه مصر مع العديد من دول العالم خصوصاً في البلدان الأوروبية.

سياسياً: فإن صورة البابا فرانسيس وهو يعانق شيخ الأزهر الرمز الأكبر لأهل السنة، ثم صوره المتنوعة الباسمة والضاحكة - ومنها صورة وهو يلقي نظرة على نهر النيل - هي أفضل دعاية للسياحة المصرية، هي دعوة للجميع لزيارة مصر. البابا  تنقل في أماكن كثيرة من أقصى شرقها حيث مطار القاهرة وقصر الاتحادية ثم إلى الوسط حيث مشيخة الأزهر في حي الحسين وغرباً في مقر الكرسي الرسولي وسفارة الفاتيكان في الزمالك،هي صور أيضاً تؤكد أنه رغم كل العمليات الإرهابية فإن الاستقرار والأمن هو السمة السائدة في مصر.

وفى إطار الحرب ضد الإرهاب فإن الزيارة وجهت ضربة شديدة للإرهابيين ودعاة التعصب بين الأديان، وأضافت الكثير من التلاحم والعلاقات الطيبة بين المسلمين والمسيحيين في مصر،في وقت يحاول المتطرفون تشويهها بكل الطرق. وربما يكون أهم ما في الزيارة أيضاً الإثبات بأن تفاهم كبار رجال الدين في الجانبين يمكن أن ينزع فتيل أكثر من لغم بينهما.

بالطبع لن يحل السلام غداً وتتوقف الحروب فجأة لأن البابا زار القاهرة، لكن ما حدث هو حجر كبير في بناء ضخم يحتاج إلى جهد مستمر، من كل المؤسسات المدنية والسياسية في معظم بلدان العالم، خصوصاً بلدان المنطقة العربية وأوروبا الأكثر تأثراً بالموجات المتوالية من العمليات الإرهابية.

مجرد أن يجلس قادة الأديان ورموزه، ومجرد أن نجد صور اللقاء الباسمة، وتبادل الضحكات، فهي كفيلة بصب الكثير من الماء البارد على النيران المشتعلة في أكثر من مكان بالعالم. لكن مرة أخرى العنف والإرهاب والتطرف لن يتوقف فجأة بعد نهاية الزيارة، لأن ذلك يحتاج جهداً وإصلاحاً كبيراً في التعليم والإعلام والثقافة والفكر وتربية الأطفال على أسس وشعارات المساواة بين الجميع وعدم التمييز على أساس الدين أو المذهب واللون أو الجنس والتنمية الشاملة في هذه المنطقة التي يعيث فيها التطرف والقتل والإرهاب والجهل والفقر فساداً.

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد