1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عماد الدين حسين: متى تتوقف ثقافة الهدر في مصر؟!

١٢ يوليو ٢٠١٨

في مقاله* لـ DW عربية يرصد الكاتب الصحفي عماد الدين حسين خطرَ هدرِ موارد أساسية في مصر مثل المياه والطاقة، في زمن يعاني فيه البلد صعوبات جمة في هذه القطاعات، متسائلا على من تقع المسؤولية.

https://p.dw.com/p/31LYo
Kolumnisten Emad El-Din Hussein

سوف يتعين على كل المصريين ترشيد استهلاك المياه من الآن وصاعدا، حتى لا يواجهوا مشكلة كبيرة فى المستقبل.

قبل أسابيع قليلة سافرت إلى محافظة أسيوط الواقعة على مسافة 350 كيلومترا جنوب القاهرة، وتقع فى قلب الصعيد. أحد المشاهد المتكررة فى العديد من القرى هي أن ترى مواطنا ممسكا بخرطوم ويقوم برش المياة العذبة أمام منزله خصوصا في هذه الفترة التي تزيد فيها درجات الحرارة عن أربعين درجة مائوية.

حينما وصلت إلى إحدى قرى أسيوط، مرورا بالعديد من القرى الأخرى، اكتشفت أن الرش أمام المنزل هو طقس شبه يومي، يمارسه كثيرون بلا استثناء، ثم اكتشفت انه يتكرر في غالبية قرى الريف في الوجه البحري ايضا.

ما يهدره المواطن أمام منزله، يحتاج إلى مئات الأمتار المكعبة أو آلاف اللترات من المياه، وهولا يدرك أن ما يفعله يمثل كارثة اقتصادية بكل ما  تعنيه الكلمة من المعنى.

من المعلوم للمتابعين فإن مصر تعتمد بنسبة تزيد عن 98 في المائة على مياه نهر النيل التى يتدفق 85 في المائة منها فى الهضبة الإثيوبية عبر النيل الأزرق، فى حين تأتى النسبة الأخرى من بحيرة فيكتوريا عبر النيل الابيض، من نفس بلدان حوض النيل.

حصة مصر تبلع 55,5 مليار متر مكعب سنويا، طبقا لاتفاقية 1929 التي لم تعد دول حوض النيل تعترف بها، ووقعت معظمها اتفاقية جديدة هي عنتيبي، لا تعترف بها مصر حتى الآن، لأنها تعيد توزيع الحصص على أسس جديدة، وتسلب من مصر حق استخدام الفيتو على إقامة سدود جديدة على النيل.

يسمع كثير من المصريين منذ سنوات عن الأزمة المحتدمة مع إثيوبيا بشأن إنشاء سد النهضة الذى تقول تقارير كثيرة أنه سيؤثر على حصة مصر من المياه، إضافة إلى التسبب فى مشاكل كثيرة، طبقا لعدد السنوات التى سوف يستغرقها ملء السد.

السؤال المهم، لماذا لا يربط غالبية المصريين بين هذه التطورات المزعجة، وضرورة ترشيد استخدام مياه النيل؟!.

الغريب أن سعر زجاجة المياه المعدنية في مصر يبلع الجنيهات الخمسة "الدولار يساوى حوالى 18 جنيها".

يشكو غالبية المواطنين من الارتفاع المطرد فى أسعار غالبية السلع والخدمات، بعد ارتفاع أسعار المياه والكهرباء والوقود، فى الأسابيع الماضية. وترد الحكومة بأنها لا تملك خيارا آخر، لأنها ورغم الزيادات الأخيرة ماتزال تقدم دعما لغالبية السلع والخدمات، ولا تبيعها حتى بسعر التكلفة ناهيك عن السعر العالمى.

نعود إلى السؤال مرة أخرى، إذا كان المواطن يشكو كل يوم من ارتفاع أسعار الخدمات ومنها المياه، فلماذا لا يقوم بترشيد انفاقه من المياه وكذلك من الكهرباء؟!

الإجابة كما أعايشها كثيرا، تعود إلى الثقافة العامة التى خلفتها عقود طويلة من ممارسات خاطئة وضارة، وغياب أى حسم حكومى للتعامل مع هذه المشكلة.

هناك تقديرات تقول أن هناك إهدارا فى استخدام المياه والكهرباء يصل إلى حوالى 30%، والسبب عدم المحاسبة والإهمال والتقصير، إضافة إلى "ثقافة الدعم" التي كانت تحاول شراء صمت الناس وولائهم للحكومات السابقة، مقابل انصرافهم عن الاهتمام بالسياسة أو التفكير فى التمرد على الحكومة. 

الآن تقول الحكومة أنها مضطرة لزيادة أسعار الخدمات، وأنها ستشرع قريبا فى بناء العديد من محطات تحلية المياه حتى تستعد لتبعات وتداعيات سد النهضة.

وبالتالى هناك حاجة ضرورية وحتمية أن تبدأ الحكومة فى حملة توعية شاملة لوقف إهدار المياه والكهرباء وسائر السلع المدعمة حتى لا تزيد المشكلة تفاقما.

"ثقافة الهدر" تنتشر بصورة كبيرة فى العديد من المجالات، ويمكن ملاحظتها يوميا، مثلما يحدث من عدم الحفاظ على وسائل النقل العامة فى العاصمة، أو إهدار المياه فى الشوارع والحدائق العامة وغياب ثقافة الصيانة لهذين المرفقين. ويتندر المصريون كثيرا، بأنهم كثيرا ما يشاهدون أعمدة إنارة الشارع مضاءة فى عز الظهر، ومتعطلة أحيانا في الليل المظلم!!.

نكرر السؤال مرة أخرى: كيف يمكن وقف ثقافة الهدر؟!

التوعية والحملات الاعلامية مهمة جدا، لكن ما هو أكثر اهمية هو  أن تضرب الحكومة المثل، وتبدأ فى التقشف أولا، وترشد سلوكها ونفقاتها، حتى تستطيع أن تقنع المواطنين بذلك..واذا لم يحدث ذلك فسوف تستمر ثقافة الهدر بطريق أو بآخر.

 

* الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات