1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كيف تحمي"أوراق البوكر" الكنوز الثقافية من الدمار؟

نانسي غرينليزة/ محمد أسعدي١٢ سبتمبر ٢٠١٢

تؤدي الصراعات العسكرية في أغلب مناطق النزاع إلى نهب وتخريب بعض روائع التحف العالمية. ولتفادي المزيد من النزيف الثقافي أبدع فريق من علماء الآثار طريقة فريدة لحماية الآثار العالمية من الدمار.

https://p.dw.com/p/162aI
Archeological playing cards created by U.S. Army archeologist Dr. Laurie Rush and academic colleagues. More than 165,000 decks of cards are in circulation, helping coalition troops recognize and learn to respect the cultural heritage in the countries where they’re deployed. Photo by Luigi Fraboni
Spielkarten von der Archäologin Laurie Rushصورة من: Luigi Fraboni

روما. عالمة الآثار الأمريكية لوري راش تجلس قبالة  "قوس جانوس"، وهو مدخل رخامي ضخم يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي. أعلاه، ما تبقى من قصور "دوت بلاتين هيل" لأباطرة الرومان القدماء. بعد ألفي سنة - بما مر عليه من الغزوات والاحتلال، والقصف – لا يزال الكثير من التراث الثقافي الإيطالي قائما إلى اليوم.

"كل واحد منا مدين للشعب الإيطالي بالكثير من الامتنان غير العادي"، تقول راش، التي عملت أستاذة زائرة  في الأكاديمية الأميركية في روما مابين  2010-2011. وتضيف هذه الباحثة لـ DW "كثير من هذه المناظر الاستثنائية على امتداد البلاد الإيطالية،  لم تكن لتوجد اليوم وتحظى بتقديرنا لو لم تُتخذ تدابير مذهلة لحمايتها".

 ودرست راش البالغة من العمر 56 عاما إستراتيجية إيطاليا في الحفاظ على التراث الثقافي الإيطالي في الداخل والخارج. وهي إستراتجية قائمة  على الاستعداد التام والدائم للهجوم. وهي خطة ليست بغريبة عن عالمة الآثار الأمريكية، التي تشتغل كذلك موظفة مدنية  في الجيش الأميركي مكلفة بحماية التراث الثقافي.

حماة الآثار

راش هي الصيغة الحديثة لـ "رجال الآثار". اسم يطلق على جماعة من المثقفين والفنانين الكبار من 13 دولة التقوا خلال الحرب العالمية الثانية وعملوا مع القوات المسلحة  لحماية العديد من روائع الهندسة المعمارية  والفنون العالمية من الدمار.. وتنسق راش اليوم وعدد من علماء الآثار مع الجيش في أخطر مناطق النزاع والتوتر في العالم. هدفهم هو حماية الآثار والكنوز الثقافية من الخراب.

بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، أقام مشاة البحرية الأمريكية معسكرا على أطلال مدينة بابل القديمة. وقامت بالشيء نفسه القوات البولندية لمدة أشهر، في وقت لاحق. آنذاك، سحقت القوات الأمريكية، دون قصد، رصيفا من الطوب يرجع تاريخه إلى 2600 عام، واستعملوا أتربة تحتوي على تحف ثمينة  في أكياس لتحصين المكان من القصف. ومنذ أن علم الجيش بما سببه من أضرار في حق التراث العالمي أصبح يرحب بعلماء الآثار في صفوفه، لتوعية عناصره بأهمية المحافظة على التحف العالمية النادرة في جميع مناطق النزاع.

Archeologist Laurie Rush helped create archeological playing card decks for coalition troops deployed in Iraq, Afghanistan and Egypt. The cards display ancient monuments and artifacts and messages about respecting heritage. Photo by Luigi Fraboni
عالمة الآثار الأمريكية لوري راشصورة من: Luigi Fraboni

البوكر لحماية الآثار

في خطوة إبداعية لافتة، قامت راش وزملاؤها بتصميم أوراق فريدة للبوكر تحمل بالإضافة إلى رموزها المعتادة صورا لأماكن معينة ترمز إلى التراث الثقافي في العراق وأفغانستان ومصر. ويلعب الجنود الأمريكيون والقوات الدولية في العراق، لمدد طويلة  خلال فترات راحتهم أوراق البوكر. واتفقت راش مع زملائها لاطلاع هؤلاء الجنود على صور المآذن القديمة في العراق، تماثيل بوذا في باميان في أفغانستان والطوب والألواح المنقوشة في أماكن أخرى من العالم.

وعندما يخلط الجنود أوراق اللعب يقرؤون الرسائل على البطاقات التي تشير، على سبيل المثال، إلى ضرورة أن  يتوقفوا عن الحفر إذا وجدوا التحف القديمة في مكان ما والبحث عن الشيوخ والقادة المحليين للحصول على معلومات أثرية عن هذه الأماكن لحمايتها.

أحد الضباط قال لراش إنه من خلال هذه البطاقات البسيطة كان قادرا على التعلم ومعرفة التراث الثقافي العراقي. وهذا ما جعله لاحقا يقيم روابط وعلاقات قوية مع السكان المحليين من أجل المزيد من الاطلاع على هذا التراث. بطاقات راش دفعت جنديا آخر إلى اكتشاف أعمال النهب في إحدى المناطق بشرق بغداد واستطاعوا إحباط العملية. البطاقات ليست هي السلاح الوحيد في الترسانة التعليمية لهؤلاء الأثريين: راش وزملاؤها يبدؤون في تدريس أفراد القوات المسلحة أهمية الآثار، قبل إرسالهم إلى أماكن النزاع.

مهمة سهلة

أكد مجموعة من أكاديميي "جمعية البحوث في الجرائم" في مؤتمر عقد خلال الصيف الماضي بإيطاليا على ضرورة عمل الأكاديميين والجنود معا، كما فعل حماة الآثار (رجال الآثار) خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن الأبراج العاجية للأكاديميين وبعدها عن خط المواجهات العسكرية يصعب المهمة نوعا ما. "يجب أن تكون لك عقلية منفتحة جدا  للمشاركة في الثقافة العسكرية"، يقول جوريس كيلا من جامعة أمستردام، هو الذي أنشأ النسخة الأوروبية من أوراق اللعب وكان ضابطا احتياطيا في القوات المسلحة الهولندية.

اتفاقية لاهاي لسنة 1954 تفرض على الدول حماية التراث الثقافي في مناطق الحرب.  ومع ذلك، فمن دون تكوين ثقافي للجنود "قد لا يدركون أن كومة من الحجارة هي في الأصل ضريح يعود تاريخه إلى أزمنة ساحقة، ويمكن أن يتسببوا في أضرار لمثل هذه المواقع غير المعروفة لديهم" تقول راش. والتحق راش وكيلا بالقوات المسلحة لتدريب وتكوين قوات التحالف في مصر. ويحلم العالمان برفقة زملائهما في أوربا وأمريكا، بإنشاء مركز دولي يسهر على الحفاظ على الممتلكات الثقافية. "إذا كنا في طريقنا لرعاية هذه المواقع، فالعمل الجماعي العابر للحدود الدولية مهم حقا"، يقول درلايك فينشام، مدير "جمعية البحوث في الجرائم"، وخبير في القانون التراث الثقافي.

Archeologist Laurie Rush in Uruk in Iraq, standing in front of the remains of an ancient stone cone mosaic tower, an example of a cultural site that international archeologists want to protect from damage during conflicts. Photo by Brian Rose
عالمة الآثار راش في مدينة أوروك العراقية الأثريةصورة من: Brian Rose

مخزون عالمي للآثار

وكان النزاع الأخير في ليبيا نصرا للجهود الساعية إلى المحافظة على التراث من خلال التعاون. علماء الآثار من أوروبا والولايات المتحدة عملوا مع الجيش وحددوا لهم المناطق التي يجب أن يتفادوا قصفها، وهي مناطق أثرية. وأصبح الأثريون يطمحون إلى إنشاء مخزونا عالميا للآثار، وهي خطوة من شأنها أن تخدم المخططين العسكريين أثناء الصراعات، وفي حالات الكوارث الطبيعية.

هي مهمة ضخمة، ولها مخاطرها، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن هذه الأماكن الأثرية تكون أحيانا مستهدفة، خاصة  في الصراعات العرقية. "إذا كنت ترغب في إضعاف معنويات العدو تماما، فقم بمهاجمة الأماكن الأثرية والمحبوبة عند المجتمع"، تقول راش. وتضيف العالمة الأمريكية أن "هذا هو السبب في قيام تنظيم القاعدة باختيار برجي التجارة العالمي لمهاجمته، لأنه يشكل أيقونة ومفخرة للشعب الأمريكي".

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد