1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل العنف وحده وراء هجرة أطباء الشرق الأوسط؟

٢٩ يناير ٢٠٢٣

قال أطباء في بلدان عديدة بمنطقة الشرق الأوسط إنهم تعرضوا لأعمال عنف متزايدة خلال عملهم في المستشفيات وذلك بالتزامن مع تزايد هجرة الأطباء من المنطقة بأعداد مخيفة، لكن هل العنف لوحده وراء هذه الهجرة؟

https://p.dw.com/p/4MjWK
تزايد أعمال العنف ضد الكوادر الطبية في الشرق الأوسط والكوادر الطبية عاجزة عن مواجهة المشكلة
كيف يمكن إنقاذ الكوادر الطبية في الشرق الأوسط من أعمال العنف؟ صورة من: Mohamed El-Shahed/AFP via Getty Images

في الصيف الماضي، شهد مستشفى في مصر قيام رجل بطعن طبيب وعاملين في المستشفى بسكين فيما حاول زوج مستشفى بالقرب من محافظة السويس ضرب الطبيبة التي تعالج زوجته بسبب الخلاف حول موعد الولادة. وفي جنوب تونس، قام مريض بإلقاء كرسي على طبيبة شابة تعمل في قسم الطوارئ ما دفعها إلى حبس نفسها داخل مكتبها حتى جاءت الشرطة فيما كان السبب وراء ذلك قيام الطبيبة بإبلاغ المريض بضرورة دخوله قسم العيادات الخارجية وليس قسم الطواري.

أما في العراق، فقد أفاد أطباء بتعرضهم لأعمال عنف وتلقيهم تهديدات بشكل منتظم من الأقارب في حالة عدم تحسن حالة ذويهم الصحية فيما ذكر استطلاع جرى عام 2021 شمل عدد من الأطباء في مستشفيات العاصمة بغداد بأن 87 بالمائة من الأطباء الذين شملهم الاستطلاع أفادوا بتعرضهم لإساءات لفظية أو عنف جسدي خلال عملهم على مدى الأشهر الستة الماضية. وقال الأطباء إن 94 بالمائة من هذه الاعتداءات يقف وراءها  المرضى أو أقاربهم.

ظاهرة العنف ضد الكوادر الطبية

وتأتي هذه الحوادث في إطار انتشار ظاهرة العنف ضد الكوادر الطبية في بلدان عديدة بالشرق الأوسط، إذ كشفت استطلاعات للرأي في مجال الرعاية الصحية عن أن ما بين 67 و 80 بالمائة من الأطباء والممرضات أفادوا بتعرضهم لأعمال عنف سواء لفظية أو جسدية أثناء العمل. وتشير الاستطلاعات إلى أن الأطباء دون سن الأربعين من يتحملون العبء الأكبر من الاعتداءات والمضايقات في المستشفيات والعيادات الطبية. وقد أدت جائحة كورونا إلى تفشي هذه الظاهرة خلال السنوات الثلاث الماضية إذ أفاد مسح أجراه المجلس الدولي للممرضات العام الماضي "بتكرار حوادث العنف بمعدل مرتفع منذ بدء تفشي الجائحة". وقد تزامن هذا مع ما شهدته بلدان الشرق الأوسط من تزايد في هجرة الأطباء حيث قالت السلطات الطبية إن الوباء كان نقطة تحول.

طبيب خلال فحص أحد المرضى في العراق بمستشفى في محافظة ذي قار - مايو/ ايار 2022
الأطباء في العراق من أكثر الأطباء الذي يتعرضون للعنف خلال عملهم في المستشفيات، لماذا يبقون هكذا دون حماية؟صورة من: Asaad Niazi/AFP via Getty Images

على سبيل المثال، قالت نقابة الأطباء المصرية إن عدد الأطباء الذين استقالوا من العمل في المستشفيات العامة خلال العام الماضي كان الأعلى منذ سبع سنوات حيث زاد العدد على أربعة آلاف طبيب وتقدموا بطلبات للحصول على  شهادات تسمح لهم بالعمل خارج البلاد.

لماذا يهاجر الأطباء؟

وفي تركيا، أفادت الجمعية الطبية أنه في عام 2021 تقدم أكثر من 1400 طبيب للحصول على شهادات تسمح لهم بالتقدم لوظائف خارج البلاد وهو الأمر الذي دفع رئيس الجمعية للحديث عن الأمر إذ كتب على منصات التواصل الاجتماعي، قائلا: ""هل تدركون حقيقة مفادها أننا نخسر أطبائنا الذين يواجهون أعمال عنف بشكل يومي فيما لا يحصلون على مكافآت نظير عملهم؟". وتوقع رئيس الجمعية الطبية التركية ارتفاع عدد الأطباء الأتراك الذين يقررون الهجرة.

وفي تونس، ذكرت نقابات عمالية أن حوالي 2700 طبيب غادروا البلاد العام الماضي ما يمثل ارتفاعا عما سُجل عام 2018 حيث هاجر 800 طبيب فيما كشفت استطلاعات للرأي أن ما يقرب من 40 بالمئة من الأطباء الشبان يفكرون في الهجرة. يشار إلى أنه في عام 2021، أفادت تقديرات صدرت من منظمة الصحة العالمية بأن ما يقرب من 40 بالمائة من الأطباء في لبنان قد غادروا البلاد فيما ذكرت جمعيات طبية أن ما يقرب من ثلث الأطباء في لبنان في الوقت الراهن يخططون للهجرة. وتكررت فصول هذه الظاهرة في دول أخرى بالمنطقة خاصة العراق والمغرب والأردن وإيران والكويت فيما يرى متخصصون أن العنف ليس السبب الوحيد وراء هجرة أطباء الشرق الأوسط.

وتعد البلدان الأوروبية ودول الخليج أهم مقاصد الأطباء الشباب رغم أن هذه الدول تشهد أعمال عنف ضد الكوادر الطبية إذ ذكرت دراسات استقصائية بأن الاعتداءات على   الأطباء والممرضات  باتت شائعة في جميع أنحاء العالم. فقد كشف مسح تم القيام به في عام 2015 على الأطباء في ألمانيا أن 73 بالمائة منهم قد تعرضوا لسلوك عدواني خلال عام 2014 ، وكشف مسح آخر في عام 2021 على العاملين في مجال الرعاية الصحية في الإمارات والسعودية عن تعرض الكوادر الطبية لاعتداءات سواء من المرضى أو من أقارب هؤلاء.

فريق طبي أمام المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت - آذار/ مارس 2021
خرجت تحذيرات من أن قطاع الصحة في لبنان في خطر الانهيار بسبب هجرة الأطباء للخارج، هل تنفع مثل هذه التحذيرات؟صورة من: Anwar Amro/AFP via Getty Images

لماذا الأطباء؟

بدورها، قالت الطبية التونسية أميمة الحساني إن هذا الأمر يعد بمثابة "حلقة مفرغة." وفي مقابلة مع DW، أضافت "في ضوء نقص الموارد والمعدات والأطقم الطبية، يجد المرضى وأقاربهم أنفسهم في مواقف مروعة خاصة عندما يتعلق الأمر بخدمات الطوارئ. كل هذه العوامل مجتمعة تسبب في أعمال عنف ضد الأطباء".

ويتفق في هذا الرأي الطبيب أحمد الغريري، الذي يعمل في أحد مستشفيات بجنوب تونس لأكثر من خمس سنوات. وقال "يعاني المريض في المستشفى من حالة توتر بسبب سوء الأوضاع، لذا فإن العنف اللفظي يحدث بشكل يومي. أنا لم أتعرض للضرب من قبل، لكن أحد زملائي تعرض للضرب رغم أنه ليس صغيرا في السن". وأضاف "المشكلة تكمن في المنظومة الصحية بشكل كامل. العنف يدفع العديد من الأطباء إلى الهجرة، لكن هناك أسباب أخرى وراء ذلك. وعن نفسي إذا أتيحت لي فرصة الهجرة، فسوف أهاجر بلا أدنى تردد".

سوء الإدارة

ويرى مراقبون أن سوء الإدارة تدخل في هذا الإطار إذ يشتكى الأطباء في  في الشرق الأوسط  من تزايد المحسوبية وسوء إدارة المستشفيات فيما يصل الأمر إلى المرضى إذ ينتظر العديد منهم لساعات وقد لا يتمكنون من الحصول على أدوية مناسبة أو دخول المستشفى. ويؤدي ذلك إلى انزعاج أقارب المرضى وهو الأمر الذي ينجم عنه مشاجرات مع عناصر الأمن في المستشفيات أو مع الأطقم الطبية.

بدوره، قال الطبيب يحيى دوير، المتحدث باسم نقابة الأطباء المصرية، إنه في حالة استمرار حالات هجرة الأطباء، فإن الأوضاع داخل المستشفيات العامة سوف تزداد سوءا. وفي مقابلة مع DW، قال إن هذا الأمر سوف يؤدي إلى زيادة أعمال العنف ضد الأطباء وانتشار المعلومات المضللة مما يضر بسمعة الأطباء المصريين.

أطباء في تونس يتظاهرون عام 2020 في تونس العاصمة للمطالبة بتحسين سلامة العمل بعد وفاة طبيب في حادث سقوط مصعد بإحدى المستشفيات في مشفى جندوبة
الأطباء في تونس يتعرضون أيضا لأعمال العنف لأٍسباب عدة ، ما هي؟ صورة من: Fethi Belaid/AFP via Getty Images

ما هو الحل؟

وفي مصر وتحديدا في الصيف الماضي، قام لاعب كرة القدم السابق ومقدم أحد البرامج الكروية أحمد حسام "ميدو" بنشر مقطع مصور مدته ست دقائق على الإنترنت يشرح محاولاته علاج والد زوجته في أحد المستشفيات خلال عطلة عيد الأضحى. وأضاف ميدو "معظم الأطباء [المصريين] بلا ضمير"، لكنه اعتذر مؤخرا عقب تقديم نقابة الأطباء المصرية ببلاغ للنائب العام تتهم لاعب نادي الزمالك السابق بالتشهير.

وقال يحيى دوير إنه أنه في الغالب ما يكون هناك نقصا في المعرفة حيال عمل الكوادر الطبية، مضيفا "بعض المرضى يقولون إنهم لا يريدون العلاج بسبب أن الطبيب قال شيئا اعتبروه نذير شؤم". وقد نشرت المجلة الصحية لشرق المتوسط دراسة من عام 2019 جاء فيها أن حوالي 5 بالمائة فقط من الأطباء في مصر يشعرون بتقدير الدولة، فيما أعرب ثلاثة أرباعهم عن عدم رضاهم حيال علاقاتهم مع المرضى.

وشدد دوير على ضرورة حصول الأطباء على تدريب حول أفضل طرق التواصل مع المرضى.

بدورها، قالت الطبية التونسية أميمة الحساني إن "هناك العديد من الأسباب وراء  هجرة الأطباء. البعض يهاجر بسبب الرغبة في الحصول على راتب أفضل وأيضا بهدف تحسين حياتهم وبيئة عملهم".

كاثرين شير وطارق القيزاني / م. ع